ورغم أنّ مصادر ترجمة ابن ماكولا ذكرت «أنّه كان نحويّا مجوّدا وشاعرا مبرّزا»(١) لكنّي لم أقف في مصادر ترجمته على تاليف في التفسير، فلم تذكر أنّه كان له تفسير أو حتى تفسير سورة واحدة.
كما أنّه ممّا يظهر من هذا التفسير والأحاديث الواردة فيها أنّ صاحب التفسير هذا لم تكن لديه اهتمامات المحدّثين في ضبط الأحاديث وأسانيدها والحكم عليها، بل نجده يستشهد بأحاديث ضيعفة جدّا بل موضوعة، وكذلك يهتمّ بالإسرائيليات والتاريخ، مما يدفع كون مؤلّف الكتاب هو من أهل الحديث كما هو معروف عن ابن ماكولا، ودقته واحترافه لهذا الفنّ، وبخاصّة أنّه ألّف كتابا في نقد الرجال وتاريخهم وهو كتاب «الإكمال في رفع الارتياب عن المؤتلف والمختلف في الأسماء والكنى والأنساب».
وخلاصة القول: إنّ كتاب «درج الدرر في تفسير القرآن العظيم» وحسب ما ترجح لديّ، والله أعلم، أنّ الكتاب ليس لعبد القاهر الجرجاني، بل هو لغيره، ولم أستطع نسبته لغيره، إذ لم توجد علامات دالّة على ذلك، فهو، في رأيي المتواضع، منسوب له، ويبقى كذلك حتى يتبيّن لي أو لأحد غيري مؤلّف الكتاب.
المطلب الثاني
أهمية الكتاب
إنّ تفسير «درج الدرر» وبالرغم من أنّه مختصر، إلا أنّه يعدّ من التفاسير القيّمة، فهو ليس من المختصرات المخلّة، ولا من المطولات المملّة، فهو ذو فائدة للقارئ العاديّ غير المختصّ، كما أنّه ذو فائدة عالية للقارئ المختصّ في آن واحد.
وقد حوى الكتاب على كثير من النقولات عن علماء سابقين من أعلام التفسير والحديث واللغة والنحو وغيرها من العلوم، فهو بذلك جمع بين التفسير بالمأثور بهذه النقولات، وبين التفسير بالرأي بما كان يبدي من رأي في كثير من المسائل التي فيها اختلاف، سواء في المعاني أو الإعراب أو غيرها.
وهذه النقولات تدلّ بشكل لا ريب فيه على غزارة علم المؤلف، وسعة اطّلاعه، كما أنّها تعطي صورة واضحة عن المرحلة التي عاش فيها المؤلّف، وهي مرحلة مهمّة من مراحل سير التأليف في ذلك الوقت، ومنها كتب تفسير القرآن الكريم، إذ انصرف اهتمام العلماء في تلك المرحلة إلى جمع أقوال العلماء المتقدّمين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وتدوين آرائهم، فيناقشون أراءهم وأقوالهم، ويردّون على أصحابها، ويرجّحون بعضها على بعض.
ونلاحظ هذا في كتاب «درج الدرر»، فنجده ينقل الأقوال من غير ترجيح، وقد يرجّح بينها، وقد يردّها جميعا، وأحيانا يأت برأي مغاير لهم.