للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المبحث الأول

موقفه من الشواهد

[١ - القرآن الكريم]

غنيت العربية بالقرآن الكريم المبين، كتابها الأكبر، وحارسها الخالد الأمين، فألفاظه الكريمة هي لبّ كلام العرب، ونصوصه هي الأصل المكين الذي أوى إليه النحويّون في بناء أصولهم، وإرساء قواعدهم. وقد اعتمد مؤلّف (درج الدّرر) على الشّاهد القرآنيّ كثيرا، واستشهد به على مسائل العربية، وظهر هذا جليّا في توجيهاته آي التّنزيل الحكيم، فنجده يورد نظائر الآية التي يتحدث عنها للاحتجاج على صحة ما يذهب إليه، وفي ما يأتي نوعان من الأمثلة على ذلك:

[أ-استدلال بالقرآن الكريم لغرض نحوي]

عند حديثه عن قوله تعالى: {هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة:٢] قال: «و (هدى) مصدر مثل التّقى والسّرى، يتعدّى إلى مفعولين بغير حرف، كقوله: {وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الصافات:١١٨]» (١).

وفي قوله تعالى: {وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} (٨) [البقرة:٨] تكلّم على توحيد الفعل في أوّل الآية وجمع الضّمير في آخرها مستدلا بآية أخرى فقال: «وإنّما وحّد الفعل في أول الآية وجمع الضمير في آخرها؛ لأنّ (من) لفظه لفظ الوحدان، ولإبهامه يصلح أن يكون اسما للمذكّر والمؤنّث والاثنين والجماعة، يعدل تارة إلى اللفظ وتارة إلى المعنى، كقوله: {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً} [الأحزاب:٣١]» (٢).

وفي قوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة:٢١٤] فرّق بين (لم) و (لمّا)، واستدلّ لما ذهب إليه بآيتين أخريين، فقال:

«و (لمّا) و (لم) بمعنى، إلا أنّ (لم) يقتضي نفيا مجرّدا، و (لمّا) يقتضي نفيا دون نفي، إذ المنفيّ به مراد إثباته في المستقبل، كقوله: {وَلَمّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا} [آل عمران:١٤٢]، {وَلَمّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ} [يونس:٣٩]» (٣).


(١) درج الدرر ٧.
(٢) درج الدرر ١١.
(٣) درج الدرر ٢٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>