للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{التَّهْلُكَةِ} [البقرة:١٩٥] نجد أن بعض الجهلة يستشهد بهذه الآية الكريمة في معرض الدفاع عن النفس حين يجبنوا ويتخاذلوا في الدفاع عن الدين والأرض والعرض، فيأتي سبب النزول لهذه الآية الكريمة موضحا ومفسرا لهذه الآية الكريمة يوضح معناها، ويزيل الغشاوة عن عيون أولئك، فقد جاء في الحديث الذي يخرجه الترمذي في سننه (١) عن أسلم بن أبي عمران قال: كنا بمدينة الروم، فأخرجوا إلينا صفّا عظيما من الروم، فخرج إليهم من المسلمين مثلهم أو أكثر، وعلى أهل مصر عقبة بن عامر، وعلى الجماعة فضالة بن عبيد، فحمل رجل من المسلمين على صف الروم حتى دخل فيهم، فصاح الناس، وقالوا: سبحان الله، يلقي بيده إلى التهلكة، فقام أبو أيوب فقال: يا أيها الناس، إنكم تتأولون هذه الآية هذا التأويل، وإنما أنزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار لّما أعز الله الإسلام، وكثير ناصروه، فقال بعضنا لبعض سرّا دون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:

إن أموالنا ضاعت، وإن الله قد أعز الإسلام وكثر ناصروه، فلو أقمنا في أموالنا، فأصلحنا ما ضاع منها. فانزل الله على نبيه صلّى الله عليه وسلّم يردّ علينا ما قلنا {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة:١٩٥]، فكانت التهلكة الإقامة على الأموال وإصلاحها، وتركنا الغزو، فما زال أبو أيوب شاخصا في سبيل الله حتى دفن بأرض الروم. وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح غريب.

ولكن عند ما يدرس موضوع أسباب النزول في كثير من الكتب-سواء المختصة بها أو كتب التفسير-نجد فيها الصحيح الذي يعتمد عليه، ونجد فيها الضعيف والواهي، بل نجد فيها الموضوع المختلق، وهذه آفة من آفات كتب التفسير والتاريخ وغيرها، هذا من جهة أما الجهة الأخرى لأسباب النزول فإنها تلقي ضوءا على الحياة والبيئة التي نزل فيها القرآن الكريم، وجاء بها الوحي، ليصحح المعوج منها، ويرسم معالم صورة واضحة للحياة التي يريدها الإسلام للناس، كما تساعد على فهم صور الصراع بين الدعوة الإسلامية وأعدائها، إلى آخر ما يمكن الاستفادة منه في أسباب النزول. (٢)

[أهمية معرفة سبب النزول]

إن إدراج علم أسباب النزول في علوم القرآن نابع من أهمية معرفة المفسر له، فتكون معرفته من جملة المعارف التي تكون آلة المفسر، وقد أفرده بعض العلماء في كتب مستقلة دلالة على أهميته.

يقول الإمام الشاطبي رحمه الله في الموافقات (٣): «معرفة أسباب النزول لازمة لمن أراد علم القرآن، والدليل على ذلك أمران:


(١) (٢٩٧٢).
(٢) ينظر: أسباب نزول القرآن الكريم دراسة وتحليل ٦ - ٧.
(٣) ٤/ ١٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>