للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهما: أن علم المعاني والبيان الذي يعرف به إعجاز نظم القرآن فضلا عن معرفة مقاصد الكلام إنما مداره على معرفة مقتضيات الأحوال فحال الخطاب من جهة نفس الخطاب، أو المخاطب أو الجميع، إذ الكلام الواحد يختلف فهمه بحسب حالين، وبحسب مخاطبين، وبحسب غير ذلك. . .

والوجه الثاني: هو أنّ الجهل موقع في الشبه والإشكالات، ومورد للنصوص مورد الإجمال حتى يقع الاختلاف، وذلك مظنّة النّزاع».

ولذلك نجد أن صاحب الكتاب رحمه الله قد اهتم بأسباب النزول اهتماما كبيرا، يوضحه كثرة ذكره لأسباب نزول الآيات، وهذا من عادة المفسرين السابقين الذين أولعوا بأسباب النزول، وتلقفوا الروايات فيها من غير تمحيص ولا تدقيق، من حيث هي صحيحة أو ضعيفة، ولكن المؤلف رحمه الله تعالى لم يكتف بذكر الضعيف فيها فحسب، بل نجده يذكر الموضوع الذي لا أصل له، وهذه بعض الأمثلة على ذلك:

١ - أسباب نزول صحيحة الرواية: فعند قول الله تعالى: {وَما نَتَنَزَّلُ إِلاّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} (٦٤) [مريم:٦٤]، يأتي برواية عن ابن عباس قوله: قال النبي عليه السّلام: «يا جبريل، ما لك لا تزورنا أكثر مما تزورنا»، فأنزل الله (١). هذا حديث أخرجه الإمام أحمد والبخاري والترمذي وغيرهم.

وعن مصعب بن سعد، عن أبيه، قال: أنزل الله تعالى القرآن على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فتلاه عليهم زمانا، فقيل: يا رسول الله، لو قصصت علينا، فأنزل الله تعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} الآية [يوسف:٣]، فتلا عليهم زمانا، قيل: يا رسول الله، لو حدثتنا، فأنزل {اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً} الآية [الزمر:٢٣]. وروي فقيل: لو خوّفتنا، فأنزل: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ} الآية [الحديد:١٦]. (٢)

٢ - أسباب نزول ضعيفة وموضوعة: وعند تفسير قوله تعالى: {لَيَفْتِنُونَكَ} [الإسراء:٧٣]، يذكر سبب النزول لهذه الآية فيقول: وعن المطلب بن عبد الله بن حنطب: رأى رسول الله من قومه كفا عنه، فجلس خاليا يتمنى أن لا ينزل عليه شيء ينفرهم عنه، وقاربهم، وقاربوه، ودنوا منه، وألقى الشيطان في أمنيته في سورة النجم ما ألقى، فرضوا بما تكلم به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقالوا: قد عرفنا أن الله هو يحيي، ويميت، ويرزق، ولكن آلهتنا هذه تشفع لنا (٣)، ولما سجد في آخر السورة سجدوا معه أجمعون، ورفع الوليد بن المغيرة، وأبو أحيحة سعيد بن العاص التراب إلى وجوههما يسجدان عليهما من ضعفهما، وعجزهما، وقال أبو أحيحة: يا


(١) درج الدرر ٢٣٦.
(٢) درج الدرر ٣٦، وهذا حديث إسناده قوي كما قال الشيخ شعيب الأرناؤوط في صحيح ابن حبان عند تخريجه هذا الحديث، وهو في صحيح ابن حبان برقم (٦٢٠٩).
(٣) في أ: لنا عنده.

<<  <  ج: ص:  >  >>