للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المبحث الأول

التفسير بالمأثور

المطلب الأول

تفسير القرآن بالقرآن

عند ما يقبل العالم على تفسير كتاب الله تعالى، فإنّ عليه في المقام الأوّل أن ينظر في آيات القرآن الكريم نفسها، لأنّ آيات القرآن الكريم يفسّر بعضها بعضا، ويوضّح بعضها الآخر، فإنّ القرآن الكريم قد اشتمل على الإيجاز والإطناب، والإجمال والتبيين، والإطلاق والتقييد، والعامّ والخاصّ، وما أوجز في مكان فقد بسط في مكان آخر.

وكذلك نجد في قصص القرآن تأتي القصة في مكان مختصرة، ثمّ تفصّل في موضع آخر، وقد يذكر في مكان جزء منها لا يذكر في المكان الآخر، فعندما تجمع الآيات تعطي صورة واضحة لهذه القصّة أو تلك.

يقول ابن تيمية رحمه الله تعالى: «إنّ أصحّ الطرق في ذلك: أن يفسّر القرآن بالقرآن، فما أجمل في مكان، فإنّه قد فسّر في مكان آخر، وما اختصر في مكان فقد بسط في موضع آخر» (١)، فهو كتاب الله تعالى المعجز، {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اِخْتِلافاً كَثِيراً} (٨٢) [النساء:٨٢].

فإذن ينبغي على المفسّر عند ما يفسّر آية من القرآن أن يستذكر الآيات الأخرى في موضوعها ويستحضرها، فقد يحتاج إلى بعضها، لتوضيح معنى الآية التي هو بصددها.

وهذا يتطلّب منه أن يكون متمكّنا من القرآن الكريم، وتعبيره عن الموضوع الواحد في عدّة سور، إذ إن من طبيعة القرآن في عرض موضوعاته أنّه لا يعرض الموضوع الواحد في موضع واحد، وسورة واحدة، وإنّما يوزّعه على سور ومواضع متعددة، لحكم تربوية وتشريعية،. . . .

ونجد المؤلّف رحمه الله تعالى قد اهتمّ بهذا النوع من التفسير كثيرا، واعتمد عليه اعتمادا كبيرا، فقد أكثر من ظاهرة الاستشهاد بالآيات الكريمة لبيان معاني القرآن الكريم، وقد نوّع أساليبه على أشكال متعددة منها:

١ - يفسّر آية بآية أخرى: ففي تفسيره لقول الله تعالى: {فِي جَوِّ السَّماءِ} [النحل:٧٩]، يفسّرها بالهواء، ويقول: «مجملة تفسيرها: {صافّاتٍ وَيَقْبِضْنَ} [الملك:١٩]» (٢). وعند


(١) مقدمة في أصول التفسير ٤٥.
(٢) درج الدرر ١٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>