للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولن ينفعك الإيمان، ولن يقبل الله منك صرفا ولا عدلا حتى تؤمني بمحمد صلّى الله عليه وسلّم فآمنت بلقيس ومن معها بنبيّنا محمد عليه السّلام من قبل أن يولد بدهر طويل، قال: وهمّ سليمان بتزوجها، وكره ما رأى من تلك الشعر، وعرفت ذلك منه، فقالت: يا نبيّ الله، إنّ الرمانة لا تدري ما طعمها حتى تكسر، فقال سليمان: ما لا يحلو في العين لا يحلو في القلب، فقال بعضهم من نصحاء سليمان من الجنّ: يا نبيّ الله، هل كرهت منها إلا هذا الشعر، أنا أحتال لها حتى تكون كالفضّة البيضاء، قال: دونك، فعمل لها عند ذلك النورة، فتنوّرت، فخرجت بيضاء نقيّة، وكان ذلك أوّل ما اتّخذت النورة، فأمّا الحمامات فقد كانت قبل ذلك بزمان ودهر طويل في ملك جم بن نونجهان (١)، وكان قد سخّر له الجنّ والشياطين، ولم يسخّر له الريح والطير، قال: فتزوج بها سليمان ووقعت من قلبه موضع محبّته، فأقرّها على ملكها، وأمر الجنّ فابتنوا له بأرض اليمن ثلاثة (٢) حصون لم ير الناس مثلها ارتفاعا وحسنا ومجالس وقبابا، ما نظر من الخلق في سالف الدهر إلى مثلها، قال: وجعلوا لهذه البنيان وهذه (٣) القباب أبوابا من ألوان الجواهر، واتخذوا بين تلك (٤) الأبينة نخيلا وأشجارا وكروما من الذهب والفضّة، ثمرها الزبرجد والياقوت، قال: ونظرت بلقيس إلى ذلك البنيان، فبقيت متحيّرة لا تقدر على الكلام ساعة، ثم قالت: إنّ هذه القدرة لقدرة جبار عظيم لا تدركه (٥) العيون، ولا تصفه الألسن، ولكنّه له الملك والقدرة والسلطان، لا تدركه الأبصار، ولا تحيط به الأفكار والأقطار، ثم أقبلت على سليمان، فقالت: يا نبيّ الله، أشهد لقد فضّلك (٦) ربّ السماء والأرض على جميع خلقه فضيلة لا يطفأ نورها، ولا يبيد ذكرها آخر الأبد، ولن أصلح إلا لمثلك، وكان أسامي ما كانت تتولاه بأرض اليمن: سليجين وبينون و (٧) غمدان، فكان سليمان عليه السّلام يزورها في كلّ شهر مرّة، فيقيم عندها ثلاثا، ثم يتنكّر فيمشي بالشام. قال الشعبي: وحكي لنا أنّ بلقيس رضي الله عنها لم تجلس على سرير الملك بعد إيمانها بالله، ولا لبست حريرا ولا ديباجا، ولا تحلّت بالذهب، وكانت تقول: حسبي من الحسن والجمال والنور (٢٥٠ ظ) والبهاء توحيدي وإسلامي وإيماني بربي وسجودي له، وحسبي من الفخر تزويجي لسليمان نبيّ الله ورسوله، لا جلست إلا مثل


(١) هو أول من بنى همدان، ينظر: الفهرست ١/ ٣٣٢، ومعجم البلدان ٣/ ١٧٠.
(٢) ك وع وأ: ثلاث.
(٣) (البنيان وهذه) ساقطة من ع.
(٤) الأصول المخطوطة: ذلك.
(٥) أ: تدكه.
(٦) ع: فضلك الله.
(٧) أ: به.

<<  <  ج: ص:  >  >>