للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صلاته، فلمّا سلّم دعا بصوته، فقال (١) لنا: «على مصافّكم كما أنتم»، ثمّ انفتل (٢) إلينا فقال:

«أما إنّي سأحدّثكم ما حبسني عنكم الغداة: إنّي قمت من اللّيل فتوضّأت وصلّيت ما قدّر لي فنعست في صلاتي حتى استثقلت، (٢٨٦ و) فإذا أنا بربي تبارك (٣) وتعالى في أحسن صورة، فقال (٤): يا محمد، قلت: لبيك يا ربّ، قال: فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: لا أدري، قالها ثلاثا، قال: فرأيته وضع كفّه بين كتفيّ حتى وجدت برد أنامله بين ثدييّ، فتجلّى كلّ شيء وعرفت يده (٥)، فقال: يا محمد، قلت: لبيك يا رب، قال: فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: في الكفّارات، يا ربّ، قال: ما هو؟ قلت: مشي الأقدام إلى الجماعات، والجلوس في المساجد بعد الصّلوات، وإسباع الوضوء حين الكريهات، قال: ثمّ فيم؟ قال: قلت: إطعام الطّعام، ولين الكلام، والصّلاة والنّاس نيام، قال: سل، قلت: اللهم إنّي أسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحبّ المساكين، وأن تغفر لي وترحمني، وإذا أردت فتنة في قومي فتوفّني غير مفتون، وأسألك حبّك وحبّ من يحبّك، وحبّ عمل يقرّب إلى حبّك، فقال: رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إنّها حقّ فادرسوها، ثمّ تعلّموها» (٦). قال: تعالى الله عن التّصوّر والتقدر والتّحيّز إلى الجهات والحلول في الصّور، ولكنه عز وجل يحلّ روح خطابه محلا محسوسا كإحالة القرآن في المصاحف، والتوراة في الألواح، ثمّ يظهر على المحسوس من آياته ما يفيد علما ضروريا.

٧٥ - {قالَ يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ:} لم يكن إبليس، لعنه الله، بعد إنكاره على الله سبحانه وتعالى تفضيل آدم عليه السّلام عارفا إيّاه على الحقيقة، ولكنّه كان يخاطب مخاطبا له من الغيب على سبيل الظّنّ، ويحلف باسمه (٧) على سبيل العرف والعدة من قبل إنكاره، كهؤلاء المشركين من أهل الكتاب في أدعيتهم بعد إنكارهم على الله إنزال القرآن على رسوله، ونسخ الشرائع المتّقدّمة.

٨٦ - {مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ:} المقوّلين للقرآن، والمخترعين من ذات نفسه. (٨) ويحتمل: أنّه نفى التّعرّض لعلم الغيب بالكسب والحيلة على طريقة الكهنة والمنجّمة.


(١) ساقطة من ك.
(٢) ع: أقبل.
(٣) ع: سبحانه.
(٤) ع: قال.
(٥) هذه الكلمة غير موجودة في كتب التخريج. وحذفها هو الصواب.
(٦) أخرجه أحمد في المسند ٥/ ٢٤٣، والترمذي في السنن (٣٢٣٥)، والدارقطني في رؤية الله ١٦٧، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، سألت محمد بن إسماعيل [البخاري] عن هذا الحديث فقال: هذا حديث حسن صحيح.
(٧) أي يحلف باسم الله تعالى، كما في قوله: قالَ فَبِعِزَّتِكَ [ص:٨٢].
(٨) ينظر: تأويلات أهل السنة ٤/ ٢٨٧، وزاد المسير ٧/ ٣٩، والكشاف ٤/ ١١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>