للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المائدة:١٠١] اكتفى بتفسير قول الفراء: إنّ أصل (شيء) (شيّئ)، فقال: «و {أَشْياءَ:} جمع شيء، وشيء في الأصل شئيء على وزن شفيع، فليّنت الهمزة الأولى وأدغمت كما في ميّت وهيّن فصار شيّئا ثم استخفّ بحذف المدغم» (١)، وأعرض عن ذكر الأقوال الكثيرة في وزن (أشياء) نفسها. واكتفاؤه بتفسير قول الفراء يوحي بموافقته له في ما ذهب إليه.

وقد يذكر رأي البصريّين وحدهم ويفصّل فيه، كما فعل في حديثه عن الضّمير المنفصل في قوله تعالى: {وَقُلْنا يا آدَمُ اُسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} [البقرة:٣٥] إذ قال: «و (أنت) للتّأكيد، كقوله: {اِذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ} [طه:٤٢]، وقوله: {فَإِذَا اِسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ} [المؤمنون:٢٨]»، ثمّ ذكر أنّ ذلك موافق لرأي البصريّين وفصّل فيه، ولم يذكر غيره فقال: «وإنّما اقتضى هذا التّوكيد عطف الظّاهر المرفوع على الضّمير المرفوع في الفعل، إذ ليس يجوز ذلك عند البصريّين إلا بالتّأكيد بضمير مرفوع منفصل، أو بنوع فاصل كقوله: {لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا} [الأنعام:١٤٨]، ولم يقل: وآباؤنا» (٢).

وممّا وافق فيه البصريّين خلافا لمذهب الكوفيّين، ذهابه إلى أنّ الواو لا تفيد التّرتيب، وكرّر ذلك في أكثر من موضع. ففي قوله تعالى: {يا مَرْيَمُ اُقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاُسْجُدِي وَاِرْكَعِي} [آل عمران:٤٣] قال: «وتقديم السّجود لا يوجب تقديمه على الرّكوع؛ لأنّ الواو للجمع والاشتراك دون التّرتيب؛ لأنّ الواو في الاسمين المختلفين كالنّسبة في المتّفقين، وإنّما بدئ بالصّفا (٣) لقوله:

(ابدؤوا بما بدأ الله به)» (٤). وكرّر ذلك مرّتين عند حديثه عن قوله تعالى: {وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ} [النّساء:١٦٣] فقال: «وقدّم عيسى على أيّوب ويونس تشريفا له لكونه من جملة أولي العزم، والواو لا توجب التّرتيب» (٥)، ثمّ قال عن يونس عليه السّلام أيضا: «وإنّما قدّمه على هارون وداود وسليمان؛ لأنّ الواو لا توجب التّرتيب» (٦). ولكنّ هذه الموافقة للبصريّين لم تكن انتصارا لمذهب نحويّ، بل جاءت انتصارا لمذهبه الفقهيّ، وموافقة لما ذهب إليه جمهور أصحابه من الحنفيّة الذين يرون أنّ الواو لا توجب التّرتيب، وهذا ما نقل الزركشيّ «أنّه قول الحنفيّة


(١) درج الدرر ٥١٠.
(٢) درج الدرر ٣٩.
(٣) إشارة إلى قوله تعالى: إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ [البقرة:١٥٨].
(٤) درج الدرر ٣١٠.
(٥) درج الدرر ٤٦٠.
(٦) درج الدرر ٤٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>