للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً} [النّساء:١٥٣]، وهذا فاسد؛ لأنّه قال: أرني أنظر إليك، ولم يقل: أرنا ننظر، ولا أرهم ينظرون، وإنّما قال: {تُبْتُ إِلَيْكَ} لما (١) ابتلي بالصّعق (٢).

وقال بعضهم: سأل رؤية الآيات، وهذا باطل لمخالفته ظاهر الآيات وفحواها ومشاهدته الآيات (٣).

والقول الصّحيح أنّ موسى عليه السّلام كان عارفا ربّه (٤) متيقّنا بأنّه جلّ جلاله مرئيّ ولكن خفي عليه أمر نفسه أنّها لا تحتمل (١٢٤ ظ) معاينة صانعها في التّركيب الدّنياويّ، فاستزلّته سكرة الاشتياق عن محافظة آداب العبوديّة حتى جاوز (٥) حدّ تقليب الوجه والتّعريض إلى النطق والتّصريح، فابتلي ب‍ {لَنْ تَرانِي} وشغل بالنّظر إلى الجبل على شريطة أنّ التّركيب الدّنياويّ من الجبل إن احتمل المعاينة احتملها موسى عليه السّلام، وأنّى للجبل ذلك، ثمّ رفع عن الجبل شيء من حجاب الآنيّة المتكوّنة، فأشرق بنور الآنيّة المتكوّنة وتلاشى لجلاله بمرأى من موسى عليه السّلام، وهو المقصود، فصار الروح من موسى (٦) مختطفا مغلوبا كالسّراج (٧) في الشّمس {وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً فَلَمّا أَفاقَ} بإذن الله سبّح لله وتاب إليه عن سؤال ما لا ينال بالسّؤال (٨)، وكان أوّل المؤمنين بتقطّع الجبال لتجلّي ذي الجلال.

يروى أنّ الجبل تقطّع قطعا فصارت قطعة منهنّ هباء منثورا، وطارت أربع قطع في الهواء فوقعن (٩) بمكّة، وطارت أربع فوقعن بالمدينة (١٠).

وروي أنّ المياه كلّها عذبت تلك السّاعة، وظهرت المعادن والكنوز، وزال الشّوك عن الشّجر، وخمدت النّيران، وسقطت الأصنام.

ويروى أنّ ملائكة السّماء نزلوا من السّماء بإذن الله تعالى إليه (١١)، وكانوا يقولون له:


(١) النسخ الثلاث: ولما.
(٢) ينظر: التفسير الكبير ١٤/ ٢٢٩ و ٢٣٠.
(٣) ينظر: التفسير الكبير ١٤/ ٢٢٩ و ٢٣٠ - ٢٣١.
(٤) النسخ الثلاث: به، وبعدها في ك: متيقن أنه، بدل (متيقنا بأنه). وينظر في سبب مسألة موسى ربّه النّظر إليه: تفسير الطبري ٩/ ٦٦ - ٧٠، وينظر في جواز الرؤية: التفسير الكبير ١٤/ ٢٣١ - ٢٣٤.
(٥) في ع: تجاوز.
(٦) (الروح من موسى) ليس في ب.
(٧) في ب: كالسلاج، وهو تحريف.
(٨) ساقطة من ب.
(٩) في ع: فوضعن.
(١٠) ينظر: تفسير البغوي ٢/ ١٩٧ - ١٩٨، ومجمع البيان ٤/ ٣٥٣.
(١١) ساقطة من ع.

<<  <  ج: ص:  >  >>