جاء عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:«بلغوا عنّي ولو آية، وحدّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب عليّ متعمدا فيتبوأ مقعده من النار». (١)
لكن هذه الأحاديث الإسرائيلية تذكر للاستشهاد لا للاعتقاد، كالذي يرد في أسماء أصحاب الكهف ولون كلبهم وعدّتهم، وعصا موسى من أي الشجر هي، وأسماء الطيور التي أحياها الله تعالى لإبراهيم،. . . إلى غير ذلك مما أبهمه الله تعالى في القرآن مما لا فائدة من تعيينه تعود على المكلفين في دنياهم ولا دينهم.
وقد شحنت كتب التفسير بالمأثور وغيرها بالأحاديث الإسرائيلية.
والمؤلف رحمه الله تعالى من الذين أولعوا بهذه الإسرائيليات إلى حد كبير، فنجدها كثيرة في ثنايا الكتاب، وتكون على أشكال متعددة، منها ما هو على شكل أقوال للنبي عليه السّلام، ومنها ما هو على شكل أقوال للصحابة، ومنها ما هو على شكل قصة مختلقة لا يقبلها العقل، ومن هذه الأشكال التي يوردها:
١ - أن يوردها على شكل حديث للنبي عليه السّلام: مثال ذلك ما يذكره عند تفسير قول الله تعالى: {وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً}(٨٣)[الكهف:٨٣]، يقول:«عن عقبة بن عامر قال: كنت أخدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فخرجت من عنده، فوجدت ناسا من أهل الكتاب معهم كتب ومصاحف، قالوا: استأذن لنا على محمد رسول الله، قال: فدخلت، فأخبرته بمكانهم، قال: «ما لي ولهم يسألونني عما لا أعلم، وإنما أنا عبد لا أعلم شيئا إلا ما علمني ربي، أبغني وضوءا»، فتوضأ، ثم دخل في مصلى بيته، فصلى ركعتين، فلم ينصرف حتى رأيت البشر في وجهه، فقال:«اخرج إليهم، فأذن لهم، وانظر من كان بالباب من أصحابي، فأدخله»، فلما دخلوا قال:«إن شئتم أنبأتكم بالذي جئتم له، وإن شئتم سألتموني فأخبركم»، قالوا: بل أخبرنا لأي شيء جئنا؟ وعن أي شيء نسألك؟ قال: «جئتموني تسألونني عن ذي القرنين، وكيف كان أوّل شأنه؟ فقال: وسأخبركم ما تجدونه في كتابكم إن شاء الله، إنه غلام من الروم، فأتى ساحلا من سواحل مصر، فبنى له مدينة، يقال لها: الاسكندرية، فلما فرغ من بنائه بعث الله إليه ملكا، فرفعه إلى السماء، فقال له: انظر ما ترى؟ فقال: أرى مدينتي قد اختلطت في المدائن، قال: ثم رفعه، فقال: انظر ما ترى؟ قال: أرى مدينتي وحدها، ولا أرى غيرها، قال: هذه التي ترى الدنيا، والمدير بها البحر الأخضر، قيل له: فاذهب فحدث العالم، وعلم الجاهل، قد جعل الله لك سلطانا، فانطلق حتى أتى مغرب الشمس، أتى مطلعها، وأتى الدين، وهو جبلان زلقان يزل عنهما كل شيء، فبناهما، ثم أتى يأجوج ومأجوج، ثم جاوزهما، فأتى على قوم قصار يقاتلون يأجوج ومأجوج، ثم جاوزهم، فوجد أمة من الغرانيق يقاتلون القوم الذي وجوههم على وجوه الكلاب، ثم جاوزهم، فوجد أمة من الحيّات، الحية الواحدة تلتقم الصخرة العظيمة، ثم جاوزها حتى انتهى إلى البحر المستدير بالدنيا. فقالوا:
(١) أخرجه البخاري في الصحيح (٣٤٦١)، والترمذي في السنن (٢٦٦٩)، وابن حبان في الإحسان (٦٢٥٦).