للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يميل فيء الشجرة؟ لأن ظل الغمامة يَعدم فيء الشجرة التي نزل تحتها، ولم نرَ النبي صلى الله عليه وسلم ذكَّر أبا طالب قط بقول الراهب، ولا تذاكرته قريش، ولا حكته أولئك الأشياخ مع توافر هممهم ودواعيهم على حكاية مثل ذلك، فلو وقع لاشتهر بينهم أيما اشتهار، ولبقي عنده صلى الله عليه وسلم -حسٌّ من النبوَّة، ولما أنكر مجيء الوحي إليه أولًا بغار حراء وأتى خديجة خائفًا على عقله، ولما ذهب إلى شواهق الجبال ليرمي نفسه (١) صلى الله عليه وسلم- وأيضًا فلو أثَّر هذا الخوف في أبي طالب ورده كيف كانت تطيب نفسه أن يمكنه من السفر إلى الشام تاجرًا لخديجة؟

وفي الحديث ألفاظ منكرة تشبه ألفاظ الطرقيَّة، مع أن ابن عائذ قد روى معناه في مغازيه دون قوله:

"وبعث معه أبو بكر بلالًا .. إلى آخره". فقال حدثنا الوليد بن مسلم أخبرني أبو داؤد سليمان بن موسى فذكره بمعناه (٢).

وإنما سقت كلام الذهبي بتمامه لأنه أعلم من انتقد هذه الرواية، فضلًا عما يكشفه كلامه من عناية بالغة بنقد المتون وعدم الاقتصار على نقد الأسانيد -كما يتهم البعض المحدثين- وكان ابن سيد الناس (ت ٧٣٤ هـ) قد تعقب رواية الترمذي ونبّه على ما في متنها من نكارة، لكنه حصر النكارة في إرسال أبي بكر مع النبي صلى الله عليه وسلم بلالًا الذي ورد في آخر الرواية (٣). ولعل الحافظ الذهبي (ت٧٤٨ هـ) استفاد منه في نقده لمتن الرواية، وكذلك فإن ابن القيِّم (ت ٧٥١ هـ) أفاد منه فيما يبدو حين بيَّن أن ذكر بلال في الرواية خطأ فاحش (٤). بل يمكن اعتبار ابن إسحاق أول من شكك بالرواية باستعماله صيغة التمريض (يزعمون) ثلاث مرات!!


(١) راجع هذه المسألة ص ١١٨.
(٢) السيرة النبوية للذهبي ٢٨.
(٣) عيون الأثر ١/ ٤٣.
(٤) ابن القيم: زاد المعاد ١/ ١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>