للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أمهات المؤمنين]

إن تصفح سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم يعطي صوراً مشرقة عن خلقه الكريم عليه الصلاة والسلام في معاملة الناس جميعاً، ولكن سلوكه في بيته ومع أزواجه له دلالته الخاصة على رقة طباعه، وعمق عاطفته، وقدرته الفذَّة على مراعاة مشاعر أزواجه واحترام رغباتهن، ما دامت لا تخرج عن حدود الشرع وأحكامه.

هذه عائشة رضي الله عنها تحج معه صلى الله عليه وسلم فتمنعها حيضتها من أداء العمرة مع الناس، فلما أراد الرسول صلى الله عليه وسلم العودة إلى المدينة قالت: يا رسول الله تعودون بحج وعمرة، وأعود بحجة وحدها. فإذا بالرسول يشفق أن تعود زوجه وهي تشعر بفوات بعض الفضل والخير عليها، فيتوقف ويطلب من أخيها عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما أن يصحبها إلى التنعيم حيث تحرم بالعمرة (١).

وفي غزوة المريسيع (بني المصطلق) يوقف الجيش كله لأن عقدا لعائشة انفطر منها فهي تجمع حباته من بين الرمال .. وعندما تحضر الصلاة ولا يجد المسلمون الماء للوضوء فتنزل آية التيمم ويعبر أحد الصحابة عن إحساسه بالحب لأبي بكر واعترافه بفضل هذه العائلة وبركتها يقول:"هذه إحدى بركاتكم يا آل أبي بكر" (٢).

وروى البخاري أنه صلى الله عليه وسلم لما رجع من غزوة خيبر وتزوج صفية بنت حيى كان يدير كساء حول البعير الذي تركبه يسترها به، ثم يجلس عند بعيره فيضع ركبته فتضع صفية رجلها على ركبته حتى تركب!!

ولم يكن هذا المشهد بعيدا عن أعين الناس، بل كان مشهد من جيشه المنتصر .. وكان يعلمهم أن الرسول البشر والنبي الرحمة والقائد المظفر لا ينقص من قدره أن يوطئ أكنافه لأهله، وأن يتواضع لزوجه، وأن يعينها ويسعدها.


(١) صحيح البخاري ٢/ ٢٠٠ - ٢٠١ (ط. استنبول).
(٢) صحيح البخاري (فتح الباري ١/ ٤٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>