للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويتجلى موقف رائع يصور عظمة خلق الرسول الكريم حين دخل على امرأة كان قد عقد عليها هي الجونية، روى البخاري من حديث أبي أسيد الساعدي قال: "خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى انطلقنا إلى حائط يقال له الشَّوط حتى انتهينا إلى حائطين جلسنا بينهما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اجلسوا هاهنا، ودخل، وقد أتى بالجونية، فأنزلت في بيت في نخل في بيت أميمة بنت النعمان بن شراحيل، ومعها دايتها - حاضنة لها - فلما دخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم قال: هببي نفسك لي. قالت: وهل تهب الملكة نفسها للسوقة (ولم تعرف أنه رسول الله) قال: فأهوى بيده يضع يده عليها لتسكن. فقالت: أعوذ بالله منك. فقال: قد عذت بمعاذ، ثم خرج علينا فقال: يا أبا أسيد أكسها رازقيَّين وألحقها بأهلها" (٢).

لم يغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يعنِّف المرأة, بل لم يجهر أمامها بطلاقها, وإنما أمر أبا أسيد أن يمتعها بالثياب ويعيدها إلى أهلها.

والمتأمل في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم يشهد الكثير من الأمثلة الرائعة على حسن ذوقه وجميل طبعه وكرم خلقه وحسن معاشرته ورفق معاملته واعتدال مزاجه وعدالة أحكامه وصدق كلامه ... وهذا الكمال الخلقي من أعظم أدلة نبوته عليه الصلاة والسلام. فقد كان الصدق يملأ حياته، ويحكم علاقاته، ويطبع أقواله وأفعاله، فلا غرابة إذا كان أول المسلمين المؤمنين بدعوته هم أقرب الناس إليه وأعرفهم به، خديجة رضي الله عنها زوجه، وعلى رضي الله عنه ابن عمه، وأبو بكر الصديق صاحبه، وزيد بن حارثة مولاه، والكل ظلوا أوفياء لدعوة الإسلام طيلة حياتهم يفدونها بالنفس والنفيس.

ويشهد الإنسان طابع الصدق في علاقاته صلى الله عليه وسلم بأزواجه، فهو الرسول البشر، ليس فيه تعاظم وكبرياء الأقوياء بجاههم أو غناهم, بل فيه سماحة الأنبياء، وندى العظماء، وسيرة الأتقياء، تجده يحنو على أزواجه ويعينهن، فيقم


(١) صحيح البخاري، كتاب الجهاد، باب من غزا بصبي للخدمة ٦/ ٨٦.
(٢) صحيح البخاري (فتح الباري ٩/ ٣٥٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>