هذه الآيات الكريمة نزلت في وصف المهاجرين والأنصار من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي توضح تجردهم لدعوة الإسلام، فلم يقف حب الديار والتعلق بالمال عائقاً أما خدمتها، فلما أمروا بالهجرة سارعوا إليها تاركين ما ألفته النفس من الديار، وما حازوه من المال تجرداً للدعوة، وابتغاء مرضاة الله التي تعلو على كل حظوظ النفس، وقد وصفتهم الآيات بالإيمان الصادق وتسديد النية في ابتغاء فضل الله ورضوانه، فليس لهم مطمع في المال والجاه والشهرة، وعندما يحين وقت البذل والعطاء نجد أيديهم سمحة بالمال ممدودة بالسخاء، لا تقف عند حدود بذل المال الزائد والفضل عن الحاجة بل تحقق ما هو أرفع ... تحقق الإيثار على النفس المحتاجة .. فتحرم من حاجتها لتلبي حاجة العقيدة أولاً .. لقد انخلع جيل الصحابة عن الشح ليحققوا الفلاح الذي وصفتهم به الآيات بعد أن استحقوا صفة النصرة لله وللرسول، وبذلك صاروا رموزا شامخة وأعلاماً هادية وقدوات سامقة تتطلع أجيال المسلمين إليهم بكل فخر واعتزاز وبكل تمجيد وتقدير، وما أحسن وصف ابن مسعود لأبناء جيله من الصحابة حين قال:"من كان منكم متأسيا فليتأس بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فإنهم كانوا أبر هذه الأمة قلوبا، وأعمقها علما، وأقلها تكلفا، وأقومها هديا، وأحسنها حالا، قوما اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم وإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم واتبعوهم في آثارهم فإنهم كانوا على الهدي المستقيم"