جوهري، بل تعتبر إضافات الذهبي وابن كثير وابن حجر في جزئيات القواعد العامة، وهي إضافات مهمة تعطينا تصوراً لما كان يمكن أن يصل إليه هذا المنهج من الاكتمال لو استمرت الحركة الفكرية نشيطة في "عالم الإسلام" ولم يتوقف إبداعها ونموها في عصور التخلف الطويلة.
إن الجمع بين معطيات منهج المحدثين ومنهج النقد الغربي يعطي أمثل النتائج إذا حَكَمت الأخير معايير التصور الإسلامي، ولا شك أن الدراسات التاريخية الإسلامية الحديثة ومنها دراسات السيرة النبوية ما زالت في بداية الطريق، وهي تحتاج إلى جهود هائلة للارتقاء بها إلى مستوى الدراسات التاريخية العالمية. ويكفي أن القارئ لدارسة حديثة في السيرة لا يكاد يحس فرقاً مهماً بينها وبين كتاب سيرة ابن هشام أو زاد المعاد على تباين أسلوب ومنهج الكتابين، رغم التطور الهائل في الدراسات الاجتماعية في العصر الحديث. وما تقدمه العلوم الحديثة من معطيات ضخمة تخدم الدراسات الاجتماعية، وللأسف فإننا نعيش على حافة العالم الحديث ولم نجرؤ على اقتحامه لنفيد من معطياته الثرية المتنوعة، مع أن ما ورثناه من أسلافنا في حقل التأليف التاريخي أعظم بكثير مما ورثه المؤرخون الغربيون عن أسلافهم.
وإذا كان النقد التاريخي يبدو ضعيفاً في دراساتنا، فإن التحليل للروايات والتعامل معها يبدو أكثر قصوراً، بسبب النظرة التجزيئية للقضايا والسطحية في التعامل مع الروايات وعدم وضوح التصور الإسلامي لحركة التاريخ ودور الفرد والجماعة والعلاقة الجدلية بين القدر والحرية وقانون السببية والربط بين المقدمات والنتائج. فضلاً على أن الكتب التاريخية القديمة لا تمدنا بمنحى واضح في التحليل والتصور الكلي بسبب اعتمادها على سرد الروايات فقط، إذ قلما يشير المؤرخ الإسلامي القديم للسنن والنواميس والقوانين الاجتماعية التي تحكم حركة التاريخ رغم أن القرآن الكريم لفت نظر المسلمين إلى ذلك كله بوضوح بل أن أحدا من مؤرخي الإسلام لم يحاول إعادة صياغة النظرة القرآنية للتاريخ وتقديم