للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واهية حبكها الكاذبون وتخيلها القصاصون من أصحاب الأهواء. ويجعل الطبري نزول الآية " {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} " إيذانا بانتهاء مرحلة السرية، والآية مكية، وفيها ما يفيد الأمر بالجهر بالقرآن، ويحتمل أن تكون نزلت لتنهي مرحلة السرية، ولكن يصعب الجزم بذلك لضعف إسناد الرواية. (١)

"ومن الطبيعي أن يبدأ الرسول دعوته العلنية بإنذار عشيرته الأقربين، إذ أن مكة بلد توغلت فيه الروح القبلية، فبدء الدعوة بالعشيرة قد يعين على نصرته وتأييده وحمايته، كما أن القيام بالدعوة في مكة لابد أن يكون له أثر خاص لما لهذا البلد من مركز ديني خطير، فجلبها إلى حظيرة الإسلام لابد وأن يكون له وقع كبير على بقية القبائل .. على أن هذا لا يعني أن رسالة الإسلام كانت في أدوارها الأولى محددة بقريش، لأن الإسلام كما يتجلى من القرآن اتخذ الدعوة في قريش خطوة أولى لتحقيق رسالته العالمية، والواقع أن كثيراً من الآيات المكية كانت تنص على أن القرآن {مَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} الأمر الذي يدل على أن فكرة الدعوة العالمية كانت قائمة منذ هذا الوقت المبكر" (٢).

وقد أسلم في مرحلة الدعوة العلنية أبو ذر الغفاري، فقد استدل ابن حجر من قصة إسلام أبي ذر ورؤية علي له بأنها وقعت بعد المبعث بأكثر من سنتين بحيث يتهيأ لعلي أن يستقل بمخاطبة الغريب ويضيفه (٣).

وقد وردت قصة إسلام أبي ذر من حديث صحابيين هما عبد الله بن عباس في صحيحي البخاري ومسلم، وعبد الله بن الصامت في صحيح مسلم وحده، وبينهما تعارض، ويرى القرطبي أن الجمع بينهما فيه تكلف شديد، في حين يرى


(١) تاريخ الطبري ٢/ ٣١٨ وتفسير الطبري ١٤/ ٦٨ وفي سنده موسى بن عبيدة ضعيف كما في التقريب.
(٢) عماد الدين خليل: دراسة في السيرة ٦٦.
(٣) فتح الباري ٧/ ١٧٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>