للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا القياس الفاسد من قريش، من تشبيه الأنبياء المكرمين بالأصنام المعبودة غير العاقلة اقتضى الرد عليه فقال الله تعالى مبينًا عبودية عيسى لله: {إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ} وإنه لم يدعُ إلى عبادة نفسه بل دعا إلى عبادة الله وحده: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ} وسمَّى القرآن احتجاج قريش بالجدل {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا}. وهو المِراء الباطل حيث كانوا عربًا فصحاء لا يخفى عليهم أن الآية {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} (١) هي خطاب لقريش، وهم يعبدون أصنامًا لا تعقل، وليست خطابًا للنصارى، فلا يرد اعتراضهم على الآية أصلًا -وهي لما لا يعقل- بدعوى اشتمالها للمسيح (عليه السلام).

ومن المجادلات التي أثارها المشركون سؤالهم عن الروح قالت قريش لليهود: أعطونا شيئًا نسأل عنه هذا الرجل، فقالوا: سلوه عن الروح. فنزلت {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} (٢) قالوا: نحن لم نؤتَ من العلم إلا قليلًا، وقد أوتينا التوراة ومن أوتيَ التوراة فقد أوتي خيرًا كثيرًا!! فنزلت {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} (٣).

وسورة الإسراء كلها مكية (٤)، ويحتمل إعادة نزولها عندما أثار اليهود الجدل حول الروح مرة أخرى في المدينة (٥).


(١) الزخرف ٥٧ - ٦٤ وتفسير ابن كثير ٤/ ١١٧ - ١١٨ ط. خليل الميس.
(٢) الآية من سورة الإسراء ٨٥.
(٣) الآية من سورة الكهف ١٠٩ والرواية في سنن الترمذي ٥/ ٣٠٤ وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه. ومسند أحمد ١/ ٢٥٥ ومستدرك الحاكم ٢/ ٥٣١ وصحح إسناده وأقره الذهبي وصححه أيضًا في السيرة النبوية ١٣٤ وصححه الحافظ ابن حجر على شرط مسلم في الفتح ٨/ ٤٠١ وفي السند عكرمة أخرج له مسلم مقرونًا (تهذيب التهذيب ٧/ ٢٧٢).
(٤) ابن كثير تفسير ٣/ ٦٠ وحكى الزركشي الاتفاق على ذلك (البرهان ١/ ٣٠).
(٥) صحيح البخاري (فتح ١٠/ ١٥، ٨/ ٤٠١) وصحيح مسلم ٤/ ٢١٥٢ وسنن الترمذي ٥/ ٣٠٤. وهذا الجمع بين الروايات أولى من ترجيح نزول الآية في المدينة.

<<  <  ج: ص:  >  >>