في إطارها وقد تتشابه الأفكار والمعتقدات ولا تستقل عن بعضها إلا في جوانب معينة كما هو الحال في الفلسفات المادية المهيمنة على عالمنا المعاصر، فإن التحول من واحدة إلى أخرى لا يتطلب تغييراً جذرياً وانقلاباً شاملاً في حياة الإنسان بل يكفي أن تتغير قناعته بمبدأ منها وتزداد بآخر ليتم التحول الفكري إلى المبدأ الجديد. . إن هذا التحول لا يحتاج إلى مجهود كبير إذ ليس له أثر على السلوك اليومي والعادات المتأصلة في النفس فلا ينعكس إذًا على واقع الحياة.
إن هذه الظاهرة لا تنطبق على الإسلام. فهذا الدين منذ ظهوره أحدث انقلابًا جذريًا في حياة الفرد والجماعة بحيث تغير سلوك الأفراد اليومي وعاداتهم المتأصلة تغيرًا كليًا, كما تغيرت مقاييسهم وأحكامهم ونظرتهم إلى الكون والحياة والإنسان .. وكذلك تغيرت بنية المجتمع بصورة واضحة فاختلفت مظاهر وصور وبرزت معالم وظواهر جديدة ..
إن النقلة التي أحدثها الإسلام عميقة وشاملة، ففي عالم العقيدة يمثل طفرة من عبادة الأشياء المحسوسة كالأصنام والأوثان والكواكب التي يرونها ويلمسونها إلى عبادة الله الواحد الذي {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} والذي {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ}. والذي لا يمكن تصوره وتمثله ومعرفة كنهه، بل يعرف بما وصف به نفسه في كتابه الكريم وعلى لسان رسوله الأمين دون تمثيل أو تشبيه ولا نفي أو تعطيل.
وهذه طفرة من "العقل البدائي" الذي يتعامل مع المحسوسات إلى "العقل الحضاري" الذي يتمكن من فهم التوحيد والتنزيه لله رب العالمين. وفي سلوك الإنسان اليومي أحدث الإسلام تغييرًا جذريًا .. فالنقلة كبيرة بين ما كان عليه في جاهليته وما صار إليه في إسلامه .. لم يعد العربي كما كان متفلتًا من ضوابط القانون في معاملاته وعلاقاته الاجتماعية بل صار منضبطًا بضوابط الشريعة في جزئيات حياته من أخلاق وعادات ونوم واستيقاظ وطعام وشراب وزواج وطلاق وبيع وشراء .. ولا شك أن العادات تتحكم في الإنسان ويصعب عليه