للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومال كل من ابن القيم وابن كثير إلى عدم وقوع المؤاخاة بمكة، فقال ابن القيم: "وقد قيل إنه - أي النبي صلى الله عليه وسلم - آخى بين المهاجرين بعضهم مع بعض مؤاخاة ثانية، واتخذ فيها علياً أخاً لنفسه، والثبت الأول (١) والمهاجرون كانوا مستغنين بأخوة الإسلام وأخوة الدار وقرابة النسب عن عقد مؤاخاة بخلاف المهاجرين مع الأنصار" (٢) أما ابن كثير فقد ذكر أن من العلماء من ينكر هذه المؤاخاة لنفس العلة التي ذكرها ابن القيم (٣).

ومما يرجح ما ذهب إليه ابن القيم وابن كثير أن كتب السيرة الأولى المختصة لم تشر إلى وقوع المؤاخاة بمكة، كما أن البلاذري وهو المصدر الوحيد القديم الذي أشار إليها ساق الخبر بلفظ (قالوا) دون إسناد مما يضعف الرواية، كما أن البلاذري نفسه ضعفه النقاد. وعلى فرض صحة وقوع هذه المؤاخاة بمكة فإنها تقتصر على المؤازرة والنصيحة بني المتآخين دون أن تترتب عليها حقوق التوارث.

المؤاخاة في المدينة:

وقد واجه المهاجرون من مكة إلى المدينة مشاكل متنوعة، اقتصادية واجتماعية وصحية، فمن المعروف أن المهاجرين تركوا أهليهم ومعظم ثرواتهم بمكة، كما أن مهارتهم كانت في التجارة التي تمرست بها قريش، ولم تكن في الزراعة والصناعة وهما يشكلان أساسين مهمين في اقتصاديات المدينة، وبما أن


(١) يعني المؤاخاة في المدينة.
(٢) زاد المعاد ٢/ ٧٩ وقد سبقه شيخه ابن تيمية فنفى وقوع المؤاخاة بين المهاجرين وخصوصاً مؤاخاة النبي صلى الله عليه وسلم لعلي، لأن المؤاخاة شرعت لإرفاق بعضهم بعضاً، ولتأليف قلوب بعضهم على بعض، فلا معنى لمؤاخاة النبي لأحد منهم ولا لمؤاخاة مهاجري لمهاجري (ابن تيمية: منهاج السنة النبوية ٤/ ٩٦ - ٩٧) وتعقبه الحافظ ابن حجر بقوله: "وهذا رد للنص بالقياس وإغفال عن حكمة المؤاخاة، لأن بعض المهاجرين كان أقوى من بعض بالمال والعشيرة والقوى، فآخى بين الأعلى والأدنى ليرتفق الأدنى بالأعلى ويستعين الأعلى بالأدنى وبهذا تظهر مؤاخاته صلى الله عليه وسلم لعلي لأنه هو الذي كان يقوم به من عهد الصبا من قبل البعثة واستمر، وكذا مؤاخاة حمزة وزيد بن حارثة لأن زيداً مولاهم فقد ثبت أخوتهما وهما من المهاجرين (الفتح ٧/ ٢٧١).
(٣) السيرة النبوية لابن كثر ٢/ ٣٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>