للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فجمعهم في سوق بني قينقاع، فقال:"يا معشر يهود أسلموا قبل أن يصيبكم مثل ما أصاب قريشاً. قالوا: يا محمد لا يغرنك من نفسك أنك قتلت نفراً في قريش كانوا أغماراً لا يعرفون القتال. إنك لو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس، وأنك لم تلق مثلنا" ولا يخفى ما في ردهم من تحد وتهديد مع أنهم كانوا قد انضموا تحت لواء رئاسته بموجب المعاهدة، وهذه الرواية وردت من طريق ابن إسحاق (١). وقد حسنها الحافظ ابن حجر (٢). ولكن في سندها محمد بن محمد مولى زيد بن ثابت، حكم عليه الحافظ نفسه بأنه مجهول (٣).

وإذا قبلنا تحسين ابن حجر لها فإن ذلك لا يعني أن سبب جلاء بني قينقاع يعود إلى رفضهم قبول الإسلام، ففي هذه المرحلة كان الإسلام يقبل التعايش السلمي معهم ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يشترط على أحد من يهود أن يدخل في الإسلام مقابل بقائه في المدينة المنورة بل إن نصوص المعاهدة (٤) تؤكد إعطاء اليهود حريتهم الدينية في المدينة المنورة. وإنما يعود سبب الجلاء إلى ما أظهروه من روح عدائية. انتهت إلى الإخلال بالأمن داخل المدينة المنورة، فقد وردت رواية تشير إلى أن أحدهم عقد طرف ثوب امرأة مسلمة في سوق بني قينقاع، فلما قامت انكشفت وصاحت فقام أحد المسلمين فقتل اليهودي وتواثب عليه اليهود فقتلوا المسلم، فاستصرخ أهل المسلم المسلمين على اليهود فغضب المسلمون، فوقع الشر بينهم وبين بني قينقاع. وهذه الرواية ضعيفة في إسنادها انقطاع بين ابن هشام وعبد الله بن جعفر المخرمي، ثم إنها موقوفة على تابعي صغير مجهول الحال هو أبو عون ولكن يستأنس بها من الناحية التاريخية، فقد أوردتها معظم مصادر السيرة (٥) وهي


(١) ابن هشام: السيرة ٢٩٤ وأبو داود: السنن ٣/ ٤٠٢ - ٤٠٣.
(٢) فتح الباري ٧/ ٣٣٢.
(٣) التقريب ٢/ ٢٠٥.
(٤) راجع مبحث "إعلان دستور المدينة".
(٥) ابن هشام: السيرة ٢/ ٥٦١ والواقدي: المغازي ١/ ١٧٦ - ١٧٧.
وابن كثير: البداية والنهاية ٤/ ٣ - ٤ وابن سيد الناس: عيون الأثر ١/ ٢٩٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>