للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يا حمزة فقل لنبي الله صلى الله عليه وسلم (أمرنا لأمرك تبع) فأتى حمزة فقال له: (يا نبي الله إن القوم قد تلاوموا فقالوا: أمرنا لأمرك تبع). فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنه ليس لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يناجز) (١). ومن الواضح أن الرسول صلى الله عليه وسلم عود أصحابه على التصريح بآرائهم عند مشاورته لهم حتى لو خالفت رأيه، فهو إنما يشاورهم فيما لا نص فيه تعويدا لهم على التفكير في الأمور العامة ومعالجة مشاكل الأمة، فلا فائدة من المشورة إذا لم تقترن بحرية إبداء الرأي، ولم يحدث أن لام الرسول صلى الله عليه وسلم أحدا لأنه اخطأ في اجتهاده ولم يوفق في رأيه، وكذلك فإن الأخذ بالشورى ملزم للإمام، فلا بد أن يطبق الرسول صلى الله عليه وسلم التوجيه القرآني {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} (٢) لتعتاد على ممارسة الشورى، وهنا يظهر الوعي السياسي عند الصحابة رضوان الله عليهم، فرغم أن لهم إبداء الرأي إلا أنه ليس لهم فرضه على القائد فحسبهم أن يبينوا رأيهم ويتركوا للقائد حرية اختيار ما يترجح لديه من الآراء فلما رأوا أنهم ألحوا في الخروج وأن الرسول صلى الله عليه وسلم عزم على الخروج بسبب إلحاحهم عادوا فاعتذروا إليه، لكن الرسول الكريم علمهم درسا آخر هو من صفات القيادة الناجحة وهو عدم التردد بعد العزيمة والشروع في التنفيذ، فإن ذلك يزعزع الثقة بها ويغرس الفوضى بين الأتباع.

وتتلخص دوافع الراغبين في الخروج بإظهار الشجاعة أمام الأعداء، وبرغبة الذين فاتتهم المشاركة في غزة بدر أن يشاركوا في موقعة مماثلة.

أما رأي الرسول صلى الله عليه وسلم ومن وافقه فمبني على الإفادة من حصون المدينة في الدفاع مما يقلل من خسائر المدافعين ويزيد من خسائر المهاجمين، ثم الإفادة من طاقات سائر السكان حتى الذين لا يستطيعون القتال في الميادين المكشوفة من النساء والصبيان.


(١) تفسير الطبري ٧/ ٣٧٢ بإسناد حسن إلى قتادة مرسل لكن الإمام أحمد وصله من طريق أبي الزبير عن جابر نحوه وفيه عنعنة أبي الزبير وهو مدلس وتقوية رواية البيهقي بسند حسن عن ابن عباس وبمجموع الطرق يصح الحديث كذلك حكم عليه الألباني في فقه السيرة.
(٢) سورة آل عمران: آية ١٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>