الماضية، فإن الدراسة والمقارنة تكشف عن التطابق بين كتب الحديث وكتب السيرة في كثير من الأسس والتفاصيل معاً، وهذا من حفظ الله تعالى لسيرة نبيه لتبقى مناراً يقتدي بها المسلمون في كل عصر ومصر. فكان أن هيأ لها جهابذة المحدثين من طبقة التابعين وتلاميذهم لكتابتها في وقت مبكر مستقين أخبارها من الصحابة الذين كانوا شهود عيان ومشاركين في الأحداث، فلم يقع انقطاع بين الأحداث والتدوين يؤدي إلى الضياع أو التحريف أو التهويل، وعندما نستعرض أصحاب كتب السيرة نجد معظمهم من المحدثين وليسوا من الأدباء أو القصاصين ولذلك أهميته، فهم معروفون بالتوثيق، ولهم مناهج نقدية واضحة. وأساليبهم جدية بعيدة عن المبالغة والحشو والخيال.
٥ - بيان أن علماء المسلمين حرصوا على جمع كل ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحاديث وأخبار سيرته سواء كانت -في رأيهم- صحيحة أو مختلفة، وأحياناً ضُم النوعان من الروايات في كتاب واحد، مع البيان الصريح لحال الرواية من الصحة أو الضعف، أو البيان الضمني لذلك بذكر السند الذي يحتوي على اسم الراوي المتهم.
وأحياناً أخرى يضم الكتاب الأخبار الصحيحة فقط كما هو شأن صحيحي البخاري ومسلم، في حين ضمت بعض المؤلفات الأخبار الواهية والموضوعة فقط مثل العلل المتناهية للدارقطني، واللآلئ المصنوعة للسيوطي وتنزيه الشريعة لابن عراق.
إن الحرص على جمع الصحيح والموضوع ينفي أن يكون المسلمون قد حجبوا بعض أخبار سيرة النبي صلى الله عليه وسلم. بل إن القرآن أشار إلى اتهامات المشركين للرسول صلى الله عليه وسلم وشبههم فكان أحياناً المصدر الوحيد للتعرف على وجهة نظر خصوم الإسلام (١).