للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالرحيل طيلة اليوم حتى أمسى، وليلتهم حتى أصبح، وصدر يومهم ذلك حتى آذتهم الشمس، ثم نزل بالناس، فلم يلبثوا أن وجدوا مس الأرض فوقعوا نياماً، ليشغل الناس عن الحديث في الفتنة.

وقد ضعف مركز عبد الله بن أبي بن سلول في قومه فكانوا يعنفونه ويلومونه كلما أخطأ (١). بل إن ابنه عبد الله بن أبي بن سلول استأذن الرسول صلى الله عليه وسلم في قتل أبيه، فنهاه فقال: "لا" ولكن بر أباك وأحسن صحبته" (٢)، ومنع أباه من دخول المدينة حتى يأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم بدخولها (٣). مع شدة بِرَّه بأبيه وهيبته له (٤) وهو من أعجب المواقف التي تدل على صفاء عقيدة الابن وتخلصه من عصبية الجاهلية رغم قرب عهده بها، مما يبين قوة تأثير الإسلام في اتباعه وإحداثه التغيير العميق في مقاييسهم وسلوكهم. وقد علل الرسول صلى الله عليه وسلم منعه لعبد الله من قتل أبيه بالحرص على سمعة الإسلام فقال: لا يتحدث الناس أن محمداً قتل أصحابه (٥).

وبعد فشل محاولة المنافقين في إثارة العصبية الجاهلية أعماهم الغضب وقد واتتهم الفرصة لإيذاء الرسول صلى الله عليه وسلم في نفسه وأهل بيته، وكانت عائشة (رض) أم المؤمنين قد خرجت معه إلى غزوة بني المصطلق وذلك بعدما شرع الله الحجاب للنساء، وفي طريق العودة، عندما اقترب المسلمون من المدينة نزلت من هودج البعير لبعض شأنها، فلما عادت افتقدت عقداً لها، فرجعت تبحث عنه فحمل الرجال هودجها فوضعوه على البعير وهم يحسبونها فيه - إذ كانت صغيرة


(١) سيرة ابن هشام ٢/ ٢٩٠ - ٢٩٣ من طريق ابن إسحق عن ثلاثة من شيوخه الثقات مرسلاً ويؤيده مرسل جيد من مراسيل عروة بن الزبير (فتح الباري ٨/ ٦٤٩) وأصله في الصحيحين (البخاري ٦/ ١٢٧ ومسلم ٨/ ١١٩).
(٢) الهيثمي: مجمع الزوائد ٩/ ٣١٨ من رواية البزار، وقال: رجاله ثقات، وانتظر رواية الطبراني صن مراسيل عروة وقال الهيثمي: رجاله الصحيح (مجمع الزوائد ٩/ ٣١٨).
(٣) الترمذي: سنن ٥/ ٩٠ وقال هذا حديث حسن صحيح.
(٤) سيرة ابن هشام ٢/ ٢٩٣.
(٥) ابن حجر: اتحاف المهرة بأطراف العشرة حديث ١٧٢ نقلاً عن البزار بسند رجاله ثقات.

<<  <  ج: ص:  >  >>