للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان عمر (رض) يراجع الرسول صلى الله عليه وسلم ليقف على الحكمة من موافقته على شروط الصلح، وكان يرغب في إذلال المشركين "فجميع ما صدر منه كان معذوراً فيه بل هو مأجور لأنه مجتهد فيه" (١).

وكان المسلمون لا يشكون في دخول مكة فلما جرى الصلح تألموا "حتى كادوا أن يهلكوا" وخاصة عندما أعيد أبو جندل وهو يستنجد بهم ويقول: "يا معشر المسلمين أترودنني إلى أهل الشرك فيفتنوني في ديني" والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "يا أبا جندل اصبر واحتسب فإن الله عز وجل جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجاً ومخرجاً" (٢). وكان عمر يمشي بجنب أبي جندل يغريه بأبيه ويقرب إليه سيفه، لكن أبا جندل لم يفعل فأعيد (٣).

ومما يعبر عن مشاعر المسلمين من إبرام الصلح فهو سهل بن حنيف يوم صفين: اتهموا رأيكم رأيتني يوم أبي جندل ولو أستطيع أن أردَّ أمر رسول الله لرددته" (٤). ولا شك أن ندم عمر (رض) ومن كره الصلح إنما هو لإبداء رأي مخالف لرأي ارتضاه الرسول صلى الله عليه وسلم مع أن ما يقرره الرسول صلى الله عليه وسلم نص لا مكان للرأي معه. لذلك لما علموا أنه أمر الله لم يكن منهم إلا التسليم (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة في أمرهم" (٥).

ويلاحظ أن قريشاً لم تكف عن التحرش بالمسلمين خلال المفاوضات لكتابة الصلح بل وبعد إنجازه، وسواء أكان ذلك بعلم قادتها للضغط على المسلمين خلال المفاوضات، أم هو من تصرفات شبابها الطائشين، وقد احتمل المسلمين ذلك بانضباط دقيق، فقد أراد ثمانون رجلاً من أهل مكة أخذ معسكر


(١) فتح الباري ٥/ ٣٤٦ - ٣٤٧.
(٢) و (٣) مسند أحمد ٤/ ٣٢٥ بإسناد حسن.
(٤) صحيح البخاري (الفتح حديث رقم ٣١٨١، ٤١٨٩).
(٥) سورة الأحزاب: آية ٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>