للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذلك فإن بعض مصنفات الحديث تخصص قسماً للمغازي والسير مثل صحيح البخاري (١). ولا شك أن مادة السيرة في كتب الحديث موثقة يجب الاعتماد عليها وتقديمها على روايات كتب المغازي والتواريخ العامة، وخاصة إذا أوردتها كتب الحديث الصحيحه لأنها ثمرة جهود جبارة قدمها المحدثون عند تمحيص الحديث ونقده سنداً ومتناً، وهذا التدقيق والنقد الذي حظي به الحديث لم تحظ به الكتب التاريخية، ولكن ينبغي التفطن إلى أن كتب الحديث - بحكم عدم تخصصها - لا تورد تفاصيل المغازي وأحداث السيرة بل تقتصر على بعض ذلك، مما ينضوي تحت شرط المؤلف أو وقعت له روايته، ومن ثم فإنها لا تعطي صورة كاملة لما حدث وينبغي إكمال الصورة من كتب السيرة المختصة، وإلا فقد يؤدي ذلك إلى لبس كبير (٢).

ولكن بسبب ترتيب الأحاديث في كتب الحديث إما على الرواة من الصحابة مثل كتب المسانيد ومن أجلّها مسند الإمام أحمد بن حنبل أو على المواضيع مثل الكتب الستة، دون مراعاة عنصر الزمن في كلا الترتيبين، لذلك تبرز أمام الباحث صعوبة في تحديد الأحاديث زمنياً على أن كتب السير والتاريخ المرتبة على السنين تسد هذا النقص في كثير من الحالات. إن أقدم كتب الحديث الشاملة التي وصلت إلينا هي موطأ مالك وصحيحا البخاري ومسلم وسنن أبي داود


(١) انظر كتاب المغازي في الجزء الخامس منه.
(٢) ورد في الصحيحين أن النبي (صلى الله عليه وسلم) هاجم بني المصطلق وهم غارون (أي بغتة دون إنذار) وهو يخالف منهجه صلى الله عليه وسلم المتمثل بالآية الكريمة {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ} وكتب السيرة توضح أنه أنذر بني المصطلق، فلو اقتصرنا على رواية الصحيحين دون أن نتبين حكم الإسلام في إنذار العدو لوقعنا في خطأ ولبس (أنظر محمد الغزالي فقه السيرة، ط ٤ ص ١٠، ٣٠٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>