كتاب السيرة النبوية الصحيحة محاولة لتطبيق قواعد المحدثين في نقد روايات السيرة النبوية

الفصل الثالث الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة الجهاد ضد المشركين - عام الوفود - ج: 2 - ص: 544

ثم جعل يذكر فرائض الإسلام فريضة فريضة وينشده عند كل فريضة حتى إذا فرغ قال: فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأنك عبده ورسوله، وسأؤدي هذه الفرائض وأجتنب ما نهيتني عنه ولا أزيد ولا أنقص ثم أنصرف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن يصدق دخل الجنة.

ثم رجع ضمام إلى قومه فاجتمعوا إليه فسب أمامهم اللات والعزى، فقالوا: ياضمام اتق البرص والجذام والجنون!!

فقال: ويلكم إنهما والله لا يضران ولا ينفعان، إن الله قد بعث رسولا وأنزل كتابا استنقذكم به مما كنتم فيه وإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله. وأني قد جئتكم من عنده وبما أمركم به ونهاكم عنه. فوالله ما أمسى ذلك اليوم من حاضرته رجل ولا امرأة إلا مسلما (١).

فلا شك إذا في قدوم الوفود في العام التاسع إلى المدينة لإعلان إسلام قبائلهم ولكن الأخبار المفصلة تحتاج إلى نقد تاريخي للمتون وقد أدبي للأشعار التي ربما تخضع لمقاييس أدق يمكن عن طريقها تثبيت صحة المعلومات تاريخيا أو نفيها.

وعلى أية حال فإنه في العام التاسع ساد الإسلام الجزيرة العربية التي توحدت سياسيا لأول مرة في تاريخها تحت رايته، فرغم أنها عرفت نشوء الدويلات ونظم السياسة قبل الإسلام، إلا أن أية دويلة من تلك الدويلات مثل (معين وسبأ وحمير وكندة والغساسنة والمناذرة) لم تتمكن من توحيد الجزيرة العربية تحت رايتها، بل إن حضارات تلك الدويلات كانت قد اضمحلت وطغت البداوة

---

(١) أبو داؤد: سنن ١/ ٧٩ ومستدرك الحاكم ٣/ ٥٤ - ٥٥ ومسند أحمد رقم ٢٣٧٠ من حديث ابن عباس، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي وإنما هو حسن فقط لأنه من طريق أبي إسحق وفيه محمد بن الوليد بن نويفع الأسدي مقبول وقد توبع في رواية أبي داؤد من قبل سلمة بن كهيل وهو ثقة وقد ذكر الإمامان البخاري ومسلم ورود ضمام بالمدينة باختصار.
(صحيح مسلم ١/ ٣٢ وصحيح البخاري ١/ ٢٢).