كتاب السيرة النبوية الصحيحة محاولة لتطبيق قواعد المحدثين في نقد روايات السيرة النبوية

الفصل الثالث الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة الجهاد ضد المشركين - وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم - ج: 2 - ص: 555

وكشف في صلاة الفجر يوم وفاته ستر حجرة عائشة ونظر إلى المسلمين وهم في صفوف الصلاة ثم تبسم وضحك وكأنه يودعهم، وهم المسلمون أن يفتتنوا فرحاً بخروجه. وتأخر أبو بكر (رض) حيث ظن أن الرسول صلى الله عليه وسلم يريد الخروج للصلاة فأشار الرسول إليهم بيده أن أتموا صلاتكم ثم دخل الحجرة وأرخى الستر.

ودخلت عليه فاطمة فقالت: واكربَ أباه. فقال لها: ليس على أبيك كرب بعد اليوم (١).

ودخل عليه أسامة بن زيد فدعا له بالإشارة إذ كان صامتاً لا يتكلم لثقل المرض (٢).

وكان عندما حضره الموت مستنداً إلى صدر عائشة، وقد أخذت سواكاً من أخيها عبد الرحمن فقضمته وأعدته فاستن به الرسول صلى الله عليه وسلم (٣).

وكان يدخل يده في إناء الماء فيمسح وجهه ويقول لا إله إلا الله إن للموت سكرات (٤). وأخذته بحة وهو يقول (مع الذين أنعم الله عليهم) (٥). ويقول: اللهم في الرفيق الأعلى، فعرفت عائشة أنه يخير وأنه يختار الرفيق الأعلى (٦).

وقبض صلى الله عليه وسلم ورأسه في حجر عائشة (رض) حين اشتد الضحى وقيل عند زوال الشمس، ودخل أبو بكر (رض) وكان غائباً في السنح فكشف عن وجه النبي صلى الله عليه وسلم ثوباً كان عليه، ثم أكب عليه وقبله وخرج إلى الناس، وهم بين منكر ومصدق من هول الأمر، فرأى عمر (رض) يكلم الناس منكراً موت الرسول صلى الله عليه وسلم فاجتمع الناس على أبي بكر فقال: أما بعد من كان منكم يعبد محمداً فإن

---

(١) صحيح البخاري (فتح ٨/ ١٤٩).
(٢) سيرة ابن هشام ٤/ ٣٢٩ بإسناد صحيح.
(٣) صحيح البخاري (فتح الباري ٨/ ١٣٨).
(٤) صحيح البخاري (فتح الباري ٨/ ١٤٤).
(٥) صحيح البخاري (فتح الباري ٨/ ١٣٦).
(٦) صحيح البخاري (فتح الباري ٨/ ١٣٦) وسيرة ابن هشام ٤/ ٣٢٩ بإسناد صحيح.