للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد يرى بعض الفلاسفة والمفكرين أن تحديد العلاقة بالله أخذت حيزاً كبيرا في تعاليم الإسلام، وأن عالم اليوم قد اتجه إلى بحث العلاقات الاجتماعية وتحديد الحقوق والواجبات وأكد على حرية الإنسان وكرامته وتطلعاته نحو الرفاه والسعادة.

والحق إن الإسلام أكد على التوحيد وجعله محورا للحياة، وأن أول العدل والوفاء أن يعدل المرء مع ربه وأن يفي له بحق الألوهية، ويجرد له العبادة. فإن لم يعدل مع الرب المنعم المتفضل القادر على الحساب والثواب والعقاب فكيف يعدل مع أمثاله من البشر؟ وإن لم يتحرر من أوهام الشرك وخرافة الخضوع لقوى الطبيعة أو للآلهة المصنوعة أو للمعتقدات الخاطئة فكيف سيتحرر من الخضوع لطواغيت البشر وكيف يحقق ذاته، ويحافظ على حريته وكرامته اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً؟

إن الموحِّد هو الرجل الحرُّ لأنه يعرف إن لا إله إلا الله، وأن لا أحد - كائنا من كان - يقدر على ضُرِّه أو نفعه إلا بإذن الله.

وهكذا يعرف مكانه في الكون، ويعتز بدينه ونفسه، ويحقق الخير والحق والجمال، وقبل ذلك يحقق الغاية من وجوده.

ولن يقع المؤمن بالاغتراب الذي يصوره سارتر والبير كامي والوجوديون الآخرون، ولن ينتهي اغترابه إلى الإحساس بالضياع والتمزق والعبث، ولن يحتاج إلى إثبات حريته ووجوده بإنكار وجود الله والبعد عن سلطانه، فتلك رؤى فكرية قاصرة لا تخرج عن حدود التجربة والمعاناة الإنسانية، مما يعبِّر عن خيبة الأمل وضياع اليقين، في حين يعيش المؤمن في رحاب واسعة ورؤى عريضة تقتبس من علم الله ونوره {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} (١).


(١) النور ٤٠

<<  <  ج: ص:  >  >>