للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا التأكيد من الإخباريين على أثر عمرو بن لحي لابد أنه يستند إلى أصل تاريخي يثبت أن له أثراً في تحريف الإبراهيمية ونشر الشرك بين أهل مكة وخارجها.

إن أصدق مصر بين عقائد الجاهلية هو القرآن الكريم من خلال جدله الديني مع المشركين وتفنيد عقائدهم، وقد بين الله تعالى في القرآن أن العرب المشركين كانوا يعبدون آلهة مزعومة لتقربهم إلى الله زلفى ولتشفع لهم عنده " {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} " (١) فهم يعرفون الله لكنهم يستشفعون إليه بالآلهة المزعومة " {أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى} " (٢)، فيعبدون الأصنام والأوثان معتقدين أنها منازل الأرواح كما بين الإخباريون، وقد اتصلت فيهم هذه الوثنية مع شعائرها وعاداتها واعتقاداتها عقوداً متتابعة بسبب التقليد فكل جيل جديد يرث عن أسلافه هذه الوثنية، فترسخت على مر الأيام لما كانوا عليه من تعظيم الأسلاف " {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} " (٣) وقد أعماهم التقليد عن نقد تراثهم العقدي وتحكيم العقل والأخذ بالدليل الصحيح. واستتبع الانحراف في العقيدة انحراف في العبادة والسلوك والشعائر والشرائع، فإذا بمناسك الحج تدخلها الوثنية، حيث وضعت الأصنام حول الكعبة، وجرى الطواف حولها مع التعري من الثياب أحياناً، وأصبحت قريش أخيراً لا تخرج إلى عرفات بل تقف بمزدلفة خلافاً للناس "وكانوا لا يسلأون ولا يأقطون ولا يرتبطون عنزاً ولا بقرة ولا يغزلون صوفاً ولا وبراً ولا يدخلون بيتاً من الشعر والمدر، وإنما يكتنون بالقباب الحمر في الأشهر الحرم، ثم فرضوا على العرب قاطبة أن يطرحوا أزواد الحل إذا دخلوا الحرم، وأن يتركوا ثياب الحل ويستبدلوها بثياب الحرم، إما شراء


(١) يونس:١٨.
(٢) الأنعام:١٩.
(٣) الزخف:٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>