للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد ذكر خليفة أنه "المجتمع عليه" (١). فكأنه لا يعتد بمن خالف، والحق أن الروايات المخالفة كلها معلولة الأسانيد وهي تفيد أن مولده بعد الفيل بعشر سنوات أو ثلاث وعشرين سنة أو أربعين سنة (٢) وقد ذهب معظم العلماء إلى القول بمولده عام الفيل، وأيدتهم الدراسات الحديثة التي قام بها باحثون مسلمون ومستشرقون اعتبروا عام الفيل موافقًا للعام ٥٧٠ أو ٥٧١ الميلادي (٣).

إن حادثة الفيل ثابتة الوقوع بنص القرآن {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (١) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (٢) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (٣) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (٤) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ}. فنص القرآن يقدم أدق تصوير لما حدث لجيش أبرهة، ولا تكاد الروايات التأريخية تخرج عن الوصف القرآني إلا في تحديد جزئيات وتفصيلات يسيرة، وهي روايات تقف عند ابن عباس وعبيد بن عمير من الصحابة، أو عند قتادة (ت ١١٧ هـ) أو ابن إسحاق (ت ١٥١ هـ) (٤) ولا شك أن بينهم وبين الأحداث نصف قرن على الأقل بالنسبة للصحابة الصغار، ولعلهم استقوا المعلومات عمن بقوا أحياء ممن شاهد الحاديث، حيث تأخرت وفيات بعضهم، فقد رأت عائشة (رضي الله عنها) قائد


(١) تاريخ خليفة ٥٣.
(٢) دلائل البيهقي ١/ ٧٨ - ٧٩ وتاريخ دمشق لابن عساكر (السير ١/ ٥٤، ٦١).
(٣) جواد علي: المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ٩/ ٤٤٣، ٤٧٨.
(٤) إن تفاصيل قدوم أبرهة التي مصدرها عبيد بن عمير (ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم؛ وهي أقدم ما وصل إلينا في ذلك وردت بإسناد ضعيف فيه أبو سفيان طلحة بن نافع وهو مدلس وقد عنعن (ابن أبي شيبة: المصنف ١٤/ ٢٨٤ - ٢٨٥) وروي هذه التفاصيل الأعمش عن طلحة، ومعروف عند المحدثين أن روايته عنه من صحيفة سمع بعضها فقط، ولم يصرح في هذه الرواية بالسماع (ميزان الاعتدال للذهبي ٢/ ٢٢٤ وتهذيب التهذيب لابن حجر ٤/ ٢٢٤ وتعريف أهل التقديس ٣٣)، وأما إسناد الطبري إلى قتادة فحسن لأن سماع يزيد بن زُريع من سعيد بن أبي عروبة قديم قبل اختلاط سعيد لكنه مرسل ضعيف (الطبري: تفسير ٣٠/ ٣٠٣ - ٣٠٤) وقد نقل قول قتادة بسند صحيح إليه من طريق محمد بن ثور عن معمر عن قتادة (الطبري ٣٠/ ٢٩٧ - ٢٩٩) أما بقية الروايات المسندة إلى ابن مسعود وابن عباس وسعيد بن جبير وآخرين فإنها تتناول تفسير ألفاظ في سورة الفيل، ولا تقدم صورة تفصيلية للحادث (الطبري: تفسير ٣٠/ ٢٩٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>