وكانت الحرب سجالاً، والهدنة تعقب قتالاً، وكان ملوك الهند كلما أحسوا بانصراف يمين الدولة عنهم نقضوا طاعته وكفروا إلى سنة (٤٠٦ هـ) غزا الهند غزوته الفاصلة، فجهز جيشًا عظيمًا، فابتدأ بغزو بلاد الأفغان، ثم اخترق بلاد الهند وعبر نهر الكنك، وأوقع ببلاد الهند وقائع عظيمة، فلما رأى ملوك الهند أن لا قبل لهم بمقاومته اجتمعوا على أن يراسلوه في الصلح، وبذلوا الطاعة له، فتم له استصفاء بلاد الهند في سنتي (٤٠٩، ٤١٠ هـ) وصارت بلاد إسلام، فالسلطان محمود الغزنوي هو مجدد رأس المائة الخامسة.
واعلم أن يمين الدولة محمودًا لم يكن في أعماله خلوا عن إرشاد علماء الشريعة، فقد كان من أكبر مرشديه الإمام الجليل الأستاذ أبو حامد الإسفراييني، وأحمد ابن أبي طاهر الفقيه الشافعي المتوفى سنة (٤٠٦ هـ) وهو الذي توسط له لدى الخليفة القادر بالله في ولايته كورة خراسان وما إليها وتلقيبه بيمين الدولة، وقد جاء في التقليد الذي صدر له من دار الخلافة هذه الفقرة:«أوليناك كورة خراسان، ولقبناك يمين الدولة بشفاعة أبي حامد الإسفراييني».
وكان من جملة العلماء الذين اتصلوا بيمين الدولة أبو القاسم عبد الله القفال المروزي الفقيه الشافعي المتوفى سنة (٤١٥ هـ)، وهو الذي صلى بحضرته صلاة لا تصح إلا على مذهب الشافعي (والشافعي موافق فيها للجمهور)، وصلاة تصح على مذهب أبي حنيفة فرأى السلطان ذلك كافيًا في ترجيح مذهب الشافعي في نظر السلطان ترجيحًا خطابيًا يناسب أفكار العامة فكانت سببًا في تقلد السلطان مذهب الشافعي.
فالتجديد في صدر هذا القرن تجديد سياسي وليس تجديدًا علميًا إلا أن فتنة الحاكم بمصر وتفشي أنصاره في الشام وجبالها وبعض بلاد العراق والموصل وتطاولهم على أهل السنة أفضى ذلك خلال السنين إلى حدوث المقاتل الكبرى بين أهل السنة والشيعة، فكانت في سنة (٤٠٧ هـ) فتنة كبيرة بين أهل السنة والشيعة في واسط، وفي القيروان بإفريقية، وكان مثار هذه الضلالات والفتن والمقاتلات الحاكم وأتباعه، فيمكن أن نعد في المجددين الرجلين المجهولين اللذين قتلا الحاكم سنة (٤١١ هـ) بسعي القائد ابن دواس أحد قواد الحاكم بمصر وبإغراء ست الملك