فإن قال قائل: كيف تعد محمود الزمخشري في مجددي أمر الدين، فإن ظاهر كلام الرسول - عليه السلام - ينبئ بأن هذا التجديد مزية دينية، وأن القائم به ميسر من الله لهذا العمل الصالح فيظهر أنه معدود من صالح المؤمنين، وأنت تعلم أن الزمخشري كان معتزلي العقيدة مخالفًا لعقيدة أهل السنة، فهل يتلاقى اعتقاد الاعتزال والقيام بتجديد أمر الدين في ذات واحدة.
قلت: أنا لا أجهل أن الزمخشري كان من المعتزلة العدلية، فإن صح أنه قد رجع عن ذلك إلى عقيدة أهل السنة كما نحاه كثير من علمائنا، فالجواب عن السؤال ظاهر، غير أني لا أطمئن إلى هذه الأمنية، ولا أحسب الزمخشري قد رجع عن مذهب الاعتزال مع كونه من أساطينه، وحينئذ فأنا أجيب السائل بأن الخلاف بيننا وبين المعتزلة العدلية خلاف في أمور خفيفة هي مجال للاجتهاد ومثارة من الأدلة التي تعلقوا بها فيما خالفونا فيه، وتلك الأدلة وإن كان أكثرها ضعيفًا فليس فيها مخالفة للقواطع؛ ولذلك فهم أقرب المخالفين لنا في مسائل الاعتقاد، وجميع ما خالفنا المعتزلة فيه من مسائل العقائد لا يترتب عليه استحلال حرام ولا استباحة دم المخالف ولا ماله ولا تكفيره، فهم يعتقدون عصمة الرسل، وعدالة أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويعظمون آل رسول الله، ويرون حرمة دم ومال وعرض من قال: لا إله إلا الله، ولا يكفرون أحدًا بذنب من أهل القبلة ويثبتون صفات الكمال لله تعالى، ولا يعطلون آيات الوعد والوعيد، ولم يقع بينهم وبين أهل السنة قتال، وغاية أمرهم أنهم يتطاولون في الاستدلال على أهل السنة بعبارات بذيئة، وذلك لا يخلو منه المختلفون في المسائل العلمية بإفراط أو إقلال.
وأيضًا فإن جميع المعتزلة العدلية متبعون في الأعمال الفرعية أحد مذاهب السنة فيها لا سيما مذهب أبي حنيفة ومذهب الشافعي رحمهما الله؛ لأن الاعتزال لا علاقة له بالأعمال، ولأنهم لا ينقصون أئمة المذاهب فمعتقدهم لا أثر له في الأمور العملية، ولا يفضي إلى ارتكاب ما يخالف شرائع الإسلام.
إذن: فاعتقاد الاعتزال ليس فسقًا، وقد صرح علماؤنا بأن حال المخالفين لنا في الاعتقاد مع التزام عقيدة الإسلام إذا لم يصرحوا بالكفر بل قالوا مقالات تجر إلى