الكفر أو إلى مخالفة ظواهر الأدلة من الكتاب أو مخالفة السنة يرجع النظر في تكفيرهم أو تفسيقهم إلى قاعدة أصلية وهي قاعدة المؤاخذة بلازم المذهب، فمن العلماء من يرون لازم المذهب مذهبًا فيرتبون على أقوال الفرق المخالفة لنا في الأصول ما يلزم أقوالهم لزومًا بينًا، فإن لزم منه إبطال أصل من أصول الإيمان أو إنكار معلوم بالضرورة يعتبرونهم كفارًا أو فسقة على تفاوت قوة اللزوم وضعفه، وهؤلاء أمثال الشيعة الغرابية والباطنية، وعلى اختلاف العلماء في اعتبار اللازم مساويًا للملزوم أو اعتباره دون ملزومه فيما يترتب عليه وإن لم يلزم من مذاهبهم كفر، ولكن يلزم منه فسق، مثل الحرورية الذين يكفرون الفرق الإسلامية عدا فرقهم، ومثل الخطابية المجوزين للكذب في الرواية والشهادة، ومثل المرجئة النافين للوعيد، ومثل الذين يقولون بكفر مرتكب الكبيرة، فهؤلاء فساق عندنا وليسوا كفارًا؛ لأن مقالاتهم لا تفضي إلى إنكار أصل من أصول الإيمان، ولكنها تنشأ عنها أعمال هي كبائر؛ كاستباحة دماء كثير من المسلمين العصاة.
وإن لم يلزم من مقالاتهم شيء إلا الخطأ في العلم والدين في مسائل النظر، فهم مخطئون وليسوا كفارًا ولا فساقًا مثل المعتزلة، وكذلك فرق الشيعة الأمامية الذين يفضلون عليًا على أبي بكر، والخطأ العلمي لا ينافي الصلاح في الأعمال.
وأما العلماء الذين لا يرون لازم المذهب مذهبًا فهم لا يعتبرون إلا حالة لوازم أقوالهم وما يترتب عليها من أعمالهم، فكانوا يعدون غلاة الفرق المخالفة فساقًا ولا يعدون من عداهم فساقًا، قال شهاب الدين القرافي في «تنقيح الفصول»: «قد قبل البخاري وغيره رواية عمرو بن عبيد وغيره من المعتزلة نظرًا إلى أنهم من أهل القبلة» أ. هـ، يعني ونظرًا إلى أنهم ليس في أقوالهم ما ينشأ عنه ارتكاب أعمال من الكبائر، وفي كتاب الجنائز من تهذيب المدونة، قال مالك: لا يصلى على أحد من أهل الأهواء، قال أبو الحسن في شرحه: اختلف المالكية في تأويل قول مالك، فقال سحنون: إنما أراد به التأديب وكراهة مخالطتهم، ووافقه ابن رشد على ذلك وجماعة، أي: لا يصلي عليهم أهل السنة، وإنما يصلي عليهم أهل نحلتهم، ألا ترى أن مالكًا لم يفت بأنهم لا يدفنون في مقابر المسلمين، ولم يصرح بأنهم يتركون بدون صلاة عليهم، ولأنه لو لم يوجد في البلد الذي مات فيه أحد من أهل الأهواء من يصلي عليه من أهل نحلته يترك بدون صلاة عليه، وقال غير سحنون: أراد مالك أن أهل الأهواء كفار وأنهم لا يصلى عليهم ولا يدفنون في مقابر المسلمين.