وإن فقهاؤنا اختلفوا في صحة الصلاة خلف المبتدعة، فقال ابن القاسم: يعيد المصلي في الوقت، فلم ير الابتداع مبطلاً للصلاة، وقال كبار أصحاب مالك وسحنون: لا إعادة عليه أصلاً، وعن الإمام رحمه الله التوقف في الإعادة، وقال ابن عبد الحكيم: يعيد أبدًا، وإن ذلك كله في أهل الأهواء، أي: الذين يفسرون متشابه القرآن على حسب هواهم، ألا ترى أن أئمة الحديث قالوا بقبول رواية المسلم العدل الذي يعتقد عقيدة باطلة لا تنافي الإسلام بشرط أن تكون بدعته لا تبيح له الكذب، وزاد مالك رحمه الله على ذلك شرطًا وهو أن لا يكون داعية إلى عقيدته.
ولم يزل كثير من عظماء المعتزلة مشهودًا لهم بالتقوى والورع، منهم عمرو بن عبيد إمام المعتزلة الذي قال فيه أبو جعفر المنصور:«كلكم قانص صيد، كلكم طالب أيد، غير عمرو بن عبيد»، وقد كتب الإمام الحافظ أبو الطاهر أحمد السلفي الأصفهاني الشافعي المتوفى سنة (٥٧٦ هـ) إلى العلامة محمود الزمخشري يطلب منه الإجازة في جميع سماعاته وإجازاته ورواياته من الحديث والعلوم، وكتب القاضي أبو الفضل عياض المالكي الشهير إلى الزمخشري يستجيزه كذلك، وهل يظن بأمثالهما رواية حديث رسول الله عمن في دينه مغمز، وقد كان العلامة الزمخشري في الورع والتقوى بتلك المثابة حتى لقد بلغت به الخشية مبلغًا عظيمًا كما هو مسطور في ترجمته، ولقد لقبه علماء الإسلام بلقب: جار الله، وقد كتب تفسير الكشاف في المسجد الحرام.
وقد جوز، ابن الأثير في «جامع الأصول» أن يعد في مجددي رأس المائة الرابعة الشريف الرضي علي بن موسى من أئمة الأمامية، وأن يعد في مجددي رأس المائة الثالثة أبو جعفر محمد أو أحمد بن يعقوب الرازي من الأمامية مع أن الأمامية يخالفون أهل السنة في عقائدهم خلافًا أشد من خلاف المعتزلة وحسبك منه مسألة التفضيل ومسألة تفسيق كثير من الصحابة.
وحيث قد توفر فيه المقتضي وانتفى المانع، فما أنا في عده من المجددين ببادع، على أننا لو شئنا أن نقول بالتفكيك بين الصلاح الاعتقادي وبين القيام بتأييد الدين عن حسن نية لم يكن ذلك بعيدًا، إذ قد أصلنا أن للدين في كل ناحية تجديدًا.