للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اشتد ساعد الدولة الإسلامية ونضجت حضارة المسلمين من سائر نواحيها، فأصبحوا أمة مستكملة الجهاز في كل ما تسابقت فيه الأمم الماضية والمجاورة من ميادين الحضارة والرقي تفكيرًا وعلمًا ونظامًا ورفاهية وقوة وسيادة على العالم، وتوفر لدى المسلمين في خلال خمسة قرون مضت من وقت ابتداء الجامعة الإسلامية ما لم يجتمع لغيرهم من الأمم الحاضرة والغابرة، فظنوا أن الدهر أصبح طوع أمرهم والحوادث لا تسير إلا على حسب مناهم، وأنساهم توالي النعم ما تأتي به الحوادث من الرزايا، وما دروا أن الدهر الذي يواجههم بقوله: «ملكت يداك» هو ينشد من ورائهم في التفاته «غير لاه عداك».

أصيب المسلمون في آخر القرن السادس وأول القرن السابع بمصائب يتلو بعضها بعضًا ولا يخلصون من واحدة إلى غيرها إلا كالمستجير بالنار من الرمضاء، فكانت الفتن متأججة فيما بين أنفسهم وفيما بينهم وبين أعدائهم هنالك مواثبة الإسماعيلية، وتخالف ورثة السلطان صلاح الدين بن أيوب، وحروب خوارزم شاه مع الغورية في بلاد العجم وغيرها، وهنالك وصول الإفرنج والألمان إلى شطوط الشام ومصر، وقد أشرفوا على امتلاك سائر القطرين، فارتبك حال القرن السابع على مريد التمييز، ولم يتعين من انبرى فيه لأمر المسلمين بالتجديد والتعزيز.

فكان حقًا علينا أن نصف حال هذا القرن وصفًا نترك فيه الحكم للناظر المتبصر؛ ذلك أنه ما استهل القرن السابع حتى كانت الحروب قائمة في بلاد الإسلام من كل مكان، فكان النصارى آخذين بمخانق البلاد الشامية والمصرية التي كانوا ينازلونها من أواخر القرن السادس، وكان قد عرض لهم فتور في أوائل القرن السابع

<<  <   >  >>