فنهض البابا صاحب رومة وندب ملوك النصارى إلى إمداد الجيوش المحتلة بالشام ومصر، فوصلت إليهم أمداد عظيمة فيما بين سنة (٦١٢ وسنة ٦١٤ هـ)، وكان صاحب مصر والشام والجزيرة يومئذ الملك العادل بن أيوب أخا صلاح الدين، فندب الملك العادل ابنه الملك الكامل ليخرج يواجه جيوش النصارى في دمياط، وما لبث أن مرض الملك العادل واضطرب أمر المسلمين، وتنمر الأعداء للمسلمين في البلاد المصرية والثغور الشامية، وتوفي الملك العادل وخلفه ابنه الكامل في ملك مصر وخاف الناس على مصر والشام أن يمتلكها النصارى، وصاروا يتوقعون سقوط البلاد صباحًا ومساء، حتى أراد أهل مصر الجلاء عن بلادهم خوفًا من العدو الذي أحاط بهم من كل مكان، ولولا أن الملك الكامل منعهم من الجلاء لتركوا البلاد خاوية على عروشها.
فلما جل الخطب وعظم الكرب تابع الملك الكامل كتبه إلى أخويه الملك المعظم صاحب دمشق والملك الأشرف صاحب الجزيرة وأرمينية يستنجدهما ويحثهما على الحضور بأنفسهما أو يرسلان العساكر إليه، فسار الملك المعظم إلى أخيه الملك الأشرف لينضم إليه ويسيرا معًا، فوجده مشغولاً عن الإنجاد بما دهمه من اختلاف الكلمة في مملكته مع بعد مملكته عن أن يمسها ضرر من الفرنج، فرجع الملك المعظم ولم يجد هو ولا أخوه الملك الكامل وسيلة خلاص من تلك الورطة إلا بعث الرسل بين المسلمين وبين الإفرنج في تقرير قاعدة للصلح بين الفريقين، وبذل المسلمون للفرنج بيت المقدس، وعسقلان، وطبرية، وصيدا، وجبلة، واللاذقية وجميع ما فتحه صلاح الدين من البلاد الشامية مما كان استحوذ عليه الفرنج في القرن السادس ماعدا الكرك، بذلوا ذلك للفرنج على أن يسلم الفرنج دمياط للمسلمين، فلم يرض الفرنج بذلك وطلبوا ثلاثمائة ألف دينار عوضًا عن تخريب المقدس ليعمروه بها، وأن يكون الكرك أيضًا في جملة ما يسلم للفرنج، فلم يتم بينهم وبين المسلمين تراض، وبقيت الحرب ترسل من لهيبها كل شواظ.
وما عتم أن زال الخلاف من مملكة الأشرف وأطاعه الملوك الخارجون عنه، واستقامت الأمور هنالك فعادت المراجعة بينه وبين أخويه الكامل والمعظم، فسار الملك الأشرف إلى دمشق بجند عظيم، ولما رأى قوة الفرنج غير منصبة على البلاد