ورؤوس الجبال، ولا يجهل ما أصاب مدينة بغداد وحضارتها من جراء عبثهم على يد سلطانهم (هولاكو) سنة (٦٥٦ هـ)، ومما أعانهم على هذا الانتشار أنهم لا يحتاجون إلى ميرة ولا إلى مدد يأتيهم؛ لأنهم استصحبوا معهم بقرهم وغنمهم وخيلهم يأكلون من لحومها ويشربون من ألبانها، ولا يعلفون دوابهم؛ لأنهم عودوها أن تبحث في الأرض بحوافرها وتأكل عروق النبت، وكادوا أن يستأصلوا الإسلام في أهم مواطنه.
والتتر يومئذ يدينون بالمجوسية، يعبدون الشمس يسجدون لها عند طلوعها وليس في دينهم تحريم لشيء من الأعمال.
وأول من قصدوه بالحرب من ملوك الإسلام محمد خوارزم شاه الذي انفرد يومئذ بملك المشرق وقاتل معظم ملوك البلاد، فهزموا خوارزم شاه، فلما هزموه لم يبق في البلاد من يحمي الممالك من هؤلاء المفسدين، دام حالهم على ذلك نحوا من تسعين سنة إلى أن أسلم ملكهم خربند بن أرغو بن أبغا بن هلاكو، وقتل (قطلوشاه) آخر المشاهير من أمرائهم وقواد جيشهم.
وقد ابتدأ تطرق الديانة الإسلامية بين أمراء التتر من منتصف القرن السابع، ولكنه كان تطرقًا بالهوينا؛ ذلك أن شمس الدين الباخوري كبير الصوفية في بخارى وأحد أصحاب نجم الدين خاطب أميرهم بركا بن دوشي خان الذي ولي ملك التتر سنة (٦٥٢ هـ) يدعوه إلى الإسلام، فأعمل بركا الرحلة إلى بخارى للقاء شمس الدين وأسلم، وعاهده على ظهور الإسلام بين قومه، وبنى مساجد ومدارس في جميع البلاد: إيران وهمذان وتبريز والمراغة، ووصى الشيخ الباخوري السلطان بركا بأن يكون صديقًا للخليفة المستعصم العباسي، غير أن إسلام السلطان لم يتجاوزه إلى عامة التتر فبقوا كفرة، ولم يستطع كفهم عن الهجوم على ممالك الإسلام، سوى أنه صد أخاه منكوفان أحد قواد جيوش التتر عن الهجوم على ممالك الخليفة المستعصم، ولم يجد ذلك أمام عزم (هولاكو) على غزو بغداد سنة (٦٥٦ هـ) ومضت فترة من الزمن إلى أن ولي (تكدار بن هولاكو) سنة (٦٨١ هـ) فأظهر الإسلام، وكان الذي دعاه إلى الإسلام الشيخ قطب الدين محمود الشيرازي العلامة الجليل الشهير وهو يومئذ قاضي سيواس، وكتب الملك بذلك إلى ملوك عصره، ولا شك أنه كان يرمي بذلك إلى تحصيل هدوء الممالك الإسلامية في وجهه بعد أن صار معظمها في دائرة مفتوحاته، إلا أن قومه نقموا عليه الانتقال من