دينهم، فثاروا عليه وقتلوه، ثم مضت فترة أخرى إلى سلطنة خربند بن أرغو بن أبغا ابن هولاكو سنة (٧٠٢ هـ)، فأسلم وتسمى محمدًا، وأناب عنه قطلوشاه أحد أمرائهم الكفرة في غزو البلاد فدامت النكاية بالمسلمين، ولم يخلص التتر الإسلام إلا بعد موت قطلوشاه سنة (٧١٤ هـ) فحينئذ قطعت جرثومة الوثنية في ملوك التتر وجنده، فصاروا إخوة لبقية المسلمين، وسلم المسلمون من مصائب استئصالهم، واعتز بهم الإسلام بعد أن كانوا يعجلون إلى نكايته.
فبحق يعد الملك خربند التتري ومن حف به من العلماء والصوفية هم مجددو رأس المائة الثامنة، وممن يعرف من هؤلاء العلماء نظام الدين محمود الشيباني، وبدر الدين محمد بن جماعة الشافعي، وتقي الدين أحمد بن تيمية الحنبلي، وجلال الدين محمد القزويني الشافعي، رحمهم الله أجمعين.
لم يكن المشرق الإسلامي في هذا القرن منفردًا بالمصائب والمحن، فقد شاركه المغرب في ذلك، ففي بلاد الأندلس قد اشتدت شوكة ملوك الجلالقة على ملوك الإسلام بعد وقعة العقاب سنة (٦٠٠ هـ)، ثم تلتها حوادث في مدة السلطان محمد بن محمد بن يوسف بن بني الأحمر ملك غرناطة من سنة (٦٧٢، إلى سنة ٧٠٢ هـ) تكالب فيها العدو على بلاد الأندلس إلى أن جرى النصر على يد السلطان إسماعيل بن فرج من بني الأحمر سنة (٧١٩ هـ)، فتنفس الحال عن المسلمين بالأندلس مدة طويلة، فلا يبعد أن يكون السلطان إسماعيل فرج سلطان غرناطة في عداد المجددين للإسلام في رأس المائة الثامنة.
وجد الإسلام في قارة آسيا مقر الحضارة العتيقة فنشأ بالحجاز في وسط حضارة بسيطة، وسرى متدرجًا في أقطار الحضارات الكبرى من العراق والشام وفارس، ثم تطرق إلى قارة إفريقيا، فدخل مصر وبرقة والمغربين والصحراء، فمازج الحضارات العتيقة كلها ومازجته، فلم يكن المسلمون في القرون الأولى من تاريخ الإسلام تقصر حضارتهم عن حضارة أفضل الأمم المتمدينة، بل كانت تفوقها بما عليه المسلمون من التخلق بالفضائل الإسلامية، وكانت أوربا أيامئذ منقسمة قسمين: قسم شرقي وهو المجاور لبلاد الشام وهو المسمى (بيزنطة) وعاصمته القسطنطينية، وحضارته تساوي أو تفوق حضارات أفضل الأمم الأخرى، وقسم غربي وهو المجاور لإفريقيا وأشهر عواصمه رومة، ولم يكن يومئذ يداني حضارة القسم الشرقي على أن معظم بلاده لم يكن ذا حضارة معتبرة، ولقد وطأت أقدام