التعذيب مع عدم توبتهم مما فعلوه، وعدم رجوعهم رجوعًا صالحًا من قلوبهم لدين النصرانية، ولم تنفع فيهم وصايانا ولا وصايا أجدادنا الملوك، ورأينا عيانًا أن كثيرًا منهم أحرقناهم بالنار لاستمرارهم على دين المسلمين بعيشهم فيه خفية ولاستنجادهم كذلك إعانة السلطان العثماني لينصرهم علينا، وظهر لنا أن بينهم وبين السلطان مراسلات إسلامية ومعاملات دينية تيقنت ذلك من أخبار صادقة وصلت إليَّ، ومع هذا لم يأت إلينا أحد منهم يخبرنا بما يدبرونه في هذه المدة بينهم وفيما سبق من السنين بل كتموه بينهم، وظهر لي ولأرباب العقول والمتدينين الصالحين من القسيسين الذين جمعتهم لهذا الأمر أن بقاءهم بيننا ينشأ عنه فساد كبير بسلطتنا، وأن بإخراجهم من بيننا يصلح الفساد الناشئ من إبقائهم بمملكتي، أردت إخراجهم كافة ورميهم إلى بلاد المسلمين أمثالهم لكونهم لم يزالوا مسلمين» أ. هـ.
وقد توفي الملك فيليبو الثالث عقب هذا وولي ابنه فيليبو الرابع، فخرج المسلمون من الأندلس في زمانه سنة (١٠١٧ هـ) سبع عشرة وألف هجرية قاصدين المغرب الأقصى، والمغرب الأوسط، وتونس، ومصر، وبلاد الدولة العثمانية، وكان عدد الخارجين على أظهر التقادير ألف ألف نسمة، وقيل: سبعمائة ألف، وقيل: ستمائة ألف، وكان الداخلون منهم إلى البلاد التونسية نحو ثلاثمائة ألف.
فأنت ترى أن الله أنقذ أمة من المسلمين من حبائل الكفر، وأرجعهم إلى دينهم القويم فنجوا هم ومن تناسل منهم من ذلك المصاب، وقطع الله بذلك مطامع صرف المسلمين عن دينهم في مستقبل الحوادث التي وقع فيها المسلمون تحت حكم غير المسلمين وحسب للخلافة الإسلامية حسابها وقدرت حق قدرها، فكان ذلك الحادث نجاة في نفسه، ومثالاً صالحًا للحوادث التي جرت من بعده، وكل ذلك بهمة السلطان الصالح أحمد خان الأول وزيره الناصح مراد باشا قيوجي.
فلا يعترضنا تردد في أن نعد هذين الرجلين الصالحين مجددي أمر الدين على رأس المائة الحادية عشرة (أي: سنة ١٠١٣ هـ) من يوم إخبار الرسول الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم -.
ما كانت الأدواء التي انتابت هيكل الجامعة في القرن الحادي عشر الهجري بالتي تتركه سليمًا من أخطار تنخر عظمه، وتنزف دمه، وتشرف به على الهلاك وبإجالة نظرة واسعة على تاريخ الإسلام في ذلك القرن نرى حالة هي أعصب الأحوال التي عرضت للمسلمين عامة، فلقد تفككت الجامعة الإسلامية في كل مكان بما اعتراها