في دخيلتها من فتن الثوار، وانقسام الأهواء، واضطراب الحياة الاجتماعية، وفقدان الأمن في سائر البلاد شرقًا وغربًا.
فقد تضاءل نور العلم، وحل الفساد في الأخلاق، وساد المسلمين الوهن وحب الدعة، وغشت على عقولهم الأوهام والغرور، واحتارت العقول باضطراب الفتن التي أعمى الأمة عُجاجها وغمرهم.
فأما الشرق الإسلامي فقد كان معظمه يومئذٍ للدولتين العثمانية والفارسية فبلاد الدولة العثمانية (وهي بحق يومئذٍ سيدة الممالك الإسلامية) قد صارت بؤرة فتن بجنود الإنكشارية، وآلت كمثل الكرة تتلقفها أيدي زعماء الجنود يترامون بها على حسب أهوائهم، ابتدأت ثورة هؤلاء الجنود على السلطان مصطفى خان الأول سنة (١٠٢٧ هـ)، فلا نجد من سلم بعده من سلاطين آل عثمان من ثورة آلت إلى قتل أو خلع فصارت الدولة مهزلة في أيدي شياطين الفتنة ودعاة الضلالة المشتهرين بتطلب الرزق من وجوه الغدر والحرابة.
وكانت المملكة الفارسية في ذلك القرن منتزي أمراء بيت الملك الصفوي والأزابكة رؤوساء الجنود بعد وفاة الشاه طهماسب ابن الشاه إسماعيل، واختلاف أولاده الكثيرين في ابتزاز أمر المملكة، حتى انبرى لجمع الكلمة الشاه عباس بن طهماسب، ولكنه لما جمع الكلمة في بلاده حدثت بينه وبين السلطان مراد الرابع العثماني حروب في أثناء عام (١٠٣٢ هـ) تلك الحروب التي يظهر أن سببها إحن ودخائل قلبية كانت قد نبتت في قلوب الفرس أتباع المذهب الشيعي؛ إذ كانت تضيق صدورهم أيام تفوق الدولة العثمانية عليهم من جراء ما كانوا يلقون منها من الغضاضة والاضطهاد في المعاملة بسبب اختلاف النزعتين، فلما تنسموا نسيم القوة نشطت نفوسهم، فأثمرت تلك الإحن طلب الانتصاف لنصر مذهبهم على مذهب سكان البلاد العثمانية من الأشاعرة والماتريدية، فأخذت الفتن تظهر في بغداد التي هي برزخ بين المملكتين، وملتقى أتباع البلدين، حتى ملأت القلوب إحنًا، والعصور بعدها فتنًا، واستولى الفرس على بغداد استيلاء الجبابرة، فأحرقوا خزائن كتبها، وخربوا ضريح الشيخ الجيلي تشفيًا من أهل السنة.
وكانت بلاد العراق تبعًا لحال هاتين الدولتين إن قامت الفتن بينهما كان مجالها العراق، وإن آلت إلى مُلك الدولة العثمانية كان اختلال حالها تبعًا لاختلال حال