للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أواخر القرن الحادي عشر من سنة (١٠٧٠ هـ)، وكان الإسبنيول قد انقض على مدينة المهدية المغربية المعروفة بالمعمورة من عام (١٠٢٠ إلى عام ١٠٩٢ هـ) وأخذوا الجديدة والعرائش وآصلاً وسبتة.

وأما ما انتاب الجامعة الإسلامية من الخارج فإن دول أوربا الذين كانوا يحسبون محاربة الدولة العثمانية لهم من وقت ظهورها جهادًا دينيًا، كانوا قد ملئت قلوبهم رعبًا من عواقب تلك الحروب قرونًا طويلة، فلما رأوا وهن تلك الدولة من وقت شبوب الحرب بينها وبين دولة الفرس وما عقبه من فوضى الجند، نشطت تلك الدول لاسترداد قواها، فالذين كانوا منها تحت حكم الدولة العثمانية طمحوا إلى الخروج عنها، وجعلوا يظهرون التذمر من مظالم ولاة الترك إياهم ويخيلون تعليل ذلك بأنه الكراهية الناشئة عن التعصب الديني، وزاد الطين بلة، وجسد الإسلام علة أن التكافؤ الفكري والتمدني بين الأمم في الشرق والغرب، قد أخذ يتباعد ويتفاوت بجمود النهضة الفكرية في الشرق وانتشارها في الغرب فكانت الأمم العظيمة في أوربا قد تفوقت في العلم والتفكير على الأمم الإسلامية بنشاط أولئك وخمول هؤلاء، والتحفز إلى طلب الكمال من أولئك وغرور هؤلاء، فكانت دول أوربا قد زالت أدواؤها، وقوي ساعد نفوذها، وانبث سفراؤها وعلماؤها ومفكروها في دواخل البلاد الإسلامية، يسبرون أحوالها، فشعروا شعورًا كاملاً بانحلال الجامعة الإسلامية، وتحفزوا لاحتلال مكانها من سيادة العالم، ولكنهم لم يلبسوا لها جلد النمر، بل دفنوا تحت الرماد شواظ الجمر، وجعلوا يكيدون كيدًا، واستولى أسطولها العتيد على دواخل الدردنيل، وتساجل الفريقان حروبًا كانت الانهزامات فيها أكثر حظوظ الجيوش التركية على أنه وإن كانت من بين تلك الدول دول تظهر المودة من غير عداء فهم وإن لم يباكروها الغارة، ما كانوا يؤملون لجيشها على عدوه انتصاره، فقالوا في نفوسهم: نحن أولى بالغنيمة، وحبائب العروس أحق بانتهاب طعام الوليمة:

قالت رأيت من الأعادي غرة ... والشاة ممكنة لمن هو مرتمي

فأما الدولة الفارسية فقد كانت في ذلك القرن بعد وفاة الشاه عباس في حالة سكون، وكانت دول أوربا لاهية عنها بتوجه همتها إلى الدولة المزاحمة لعظمتها، وهي الدولة العثمانية.

<<  <   >  >>