ومن أحسن الصدف: أن كان مراد أبو بالة والي تونس الجائر المفسد لما أفنت حروبه مع المسلمين عساكره، أرسل أحد قواد جيشه آغة صباحية الترك المسمى إبراهيم الشريف إلى بلاد السلطنة العثمانية ليجمع له جندًا من المتطوعة، فصادف بعثة هنالك بعثها باشا الجزائر إلى الحضرة السلطانية في التشكي من أحوال مراد أبي بالة، فظهر للسلطان أن جمع بين بعثة الجزائر وبعثة تونس، وأمرهم أن يبلغوا باشا الجزائر وباي تونس وجوب عقد صلح بينهما وذلك في سنة (١١١٣ هـ)، فكاتب إبراهيم مراد بذلك، فامتنع وعصى، وقد تحقق السلطان جور مراد أبي بالة، فاستحلف إبراهيم الشريف على المصحف أن لا يكذبه فيما يسأله عنه من أحوال مراد أبي بالة، فحلف أن يصدقه، فسأله عما يتشكى منه أهل الجزائر فأخبره الصدق فعزم السلطان على توجيه جيش للقبض على مراد أبي بالة وكف جوره عن الناس وخلعه من الولاية، ثم إنه وثق من إبراهيم الشريف أن يكون هو الذي يتولى قتل مراد أبي بالة وكف عاديته، فأعطاه منشورًا سلطانيًا بيده مخاطبًا به جند الترك بتونس يأمرهم بطاعة إبراهيم الشريف فرجع إلى تونس سنة (١١١٣ هـ) على مراد أبي بالة فقتل، ونشر الأمر السلطاني إلى الجند فبايعوا إبراهيم الشريف، وبذلك استقر الأمر في نصابه بالإيالة التونسية، وكان إبراهيم الشريف معروفًا قبل ولايته بالخير والعفة والإنصاف، وقد سار سيرة حسنة بعد ولايته إلا أنه كان يتهم بالشعوبية، ودامت تونس في مدته في حالة حسنة ربما خالطها ما لا تخلو عنه بلاد الإسلام من حدوث ثورات قليلة.
وأما الجزائر والمغرب فقد كان من حسنات السلطان مصطفى وقوع صلح بينهما، وذلك في صدر سنة (١١٠٩ هـ)، قال في الاستقصاء: «وفي يوم عرفة من سنة (١١٠٨ هـ) قدم عشرة رجال من إستنبول ومعهم كتاب من السلطان مصطفى بن محمد العثماني صاحب القسطنطينية العظمى إلى السلطان المولى إسماعيل يندبه إلى الصلح مع أهل الجزائر، فانتدب رحمه الله وامتثل» وقد استرجع السلطان مولاي إسماعيل في أوائل القرن الثاني عشر الهجري عدة مراس من أيدي الإسبنيول والبرتغال وغيرهم بحيث لم تأت سنة (١١٠٣ هـ) إلا وقد استخلص معظم بلاد المغرب، وطاعت له وأقبل على تحصينها وتحسينها.
فما أطلت سنة (١١١٣ هـ) ثلاث عشرة ومائة وألف إلا ومعظم بلاد الإسلام