مظروف في أثمانها فجعلها ظرفًا ليتطرق بذلك إلى إرادة إتلاف جميع أثمانها في ذلك؛ فالظرفية على معنى باء السببية، والمقصود هذا المسبب وهو ما يرضيهم من الشراب والميسر؛ ولذلك لم يأت بـ (من) لئلا يوهم أنهم يشربون ويقامرون ببعض أثمانهم ويستبقون بعضها اكتنازًا فهم يتعيرون بذلك، ونظير الظرفية قوله تعالى:{وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ}[النساء: ٥]، أي: ارزقوهم بها، ولم يقل منها؛ للإشارة إلى عدم التقتير عليهم في أموالهم وإنما هي أسباب لرزقهم وكسوتهم، فالمنظور إليه هو المسبب، والسبب، تبع الحال المسبب، ويكون التعريف في قوله تعالى {الْقُرْبَى} تعريف الأجل، أي: لأجل حقيقة القرابة بيننا، وهذا الوجه في معنى الآية هو الأنسب بالسياق؛ لأن الخطاب مؤجَّه إلى المشركين وكانوا عادوا النبي - صلى الله عليه وسلم - وتداعوا للتألب عليه، فناسب أن يذكروا بوشائج الأرحام والتذكير بها سنة عربية مألوفة، كما قال القتال الكلابي:
وليس من مناسب المقام أن يسألهم مودة أهل بيته وأقاربه؛ لأن ذلك لا غناء له في غرض الآية.
وأما الوجه الثاني في تفسيرها فليس بباطل؛ إذ قد قال به جمع من التابعين، مثل: عمرو بن شعيب، وسعيد بن جبير، وعلي بن الحسين، وذكره صاحب الكشاف ولم يذهب إليه أحد من الصحابة وإني أراه مرجوحًا وضعيفًا، وقد روى البخاري إنكار ابن عباس على سعيد بن جبير تفسير الآية به، ولم يعرج على ذكره عياض في فصل وجوب البر بآل محمد - صلى الله عليه وسلم - من كتاب الشفاء، وعلى هذا الوجه يكون في قوله تعالى:{فِي الْقُرْبَى} حذف مضاف، أي: في ذوي القربى، وتكون {فِي} مستعملة في الظرفية المجازية بأن جعل أهل قرابة الرسول كالمكان لاستقرار لمودة كما صرح به في الكشاف، وقد ذكر بعض المفسر ين في تر جيح كون هذا الوجه هو المراد من الآية حديثًا عن ابن عباس أنه قال: لما نزلت هذه الآية، قالوا: يا رسول الله من هؤلاء الذين أمر الله بمودتهم؟ فقال:«فاطمة وولدها» ا. هـ.
وهذا الحديث شديد الضعف؛ لأن في سنده حسينًا الأشقر وكان مشهورًا بالغلو في التشيع، وكان مع ذلك مجهولًا غير مقبول الحديث، وأما ما يرمي إليه الكميت في أبياته وشريح بن أوفى العبسي في بيته، فإنما هو تقليد لهذا التأويل في معنى الآية.
ثم لا حاجة بنا إلى التخليط الذي وقع فيه بعض المفسرين في ترجيح هذا التأويل