بجلب الأدلة على وجوب مودة أهل قرابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن إبطال كون ذلك مستفادًا من هذه الآية لا يوهم إبطاله في نفسه؛ إذ لم يدع أحد انحصار الدليل في هذه الآية.
وهنالك وجه ثالث في تفسير الآية هو أبعد الوجوه، فقد روي عن ابن عباس والحسن البصري: أن المعنى إلا أن تودوا الله وتتقربوا إليه بالطاعة، فيكون المراد القربى المجازية، أي: الموالاة وتطلب الرضا، ويكون التعريف للعهد بقرينة من مقام الخطاب لا وجود لها في لفظ الآية، وقد ذكر أبو بكر بن العربي الوجوه الثلاثة وقال إثرها:«وليس يبعد أن يكون الكل معنيًّا من الآية». ا. هـ. ويتعين أن يكون أراد من نفي الاستبعاد نفي استبعاد يقتضي البطلان بحيق يكون احتمالًا لا يسمح به لفظ الآية، وليس يعني به استواء الوجوه الثلاثة في المتبادر من الآية، وكيف -وهو بصدد شرح الخبر الذي أخرجه الترمذي عن ابن عباس- أنه أنكر على سعيد عن جبير تفسيره الآية بالوجه الثاني وفسرها ابن عباس بالوجه الأول؟ !
وأما الاستثناء الواقع في قوله:{إِلَّا الْمَوَدَّةَ} فهو منقطع على جميع الوجوه؛ لأن المودة ليست بأجر، فالاستثناء في المعنى الاستدراك، وقد استعملت أداة الاستثناء في معنى أداة الاستدراك ولذلك جعل العلماء الاستثناء في مثله منقطعًا، ثم فسروه بأنه على ادعاء أنه إن كان أجر فهذا هو أجري، ويسمى هذا الاستعمال في اصطلاح الأدباء تأكيد المدح بما يشبه الذم وهو معدود في المحسنات البديعة بهذا الاسم وبضده وهو تأكيد الذم يشبه المدح، وقال العلامة التفتازاني: الأجدر أن يسمى تأكيد الشيء بما يشبه نقيضه ا. هـ. وأنا سميته في كتاب موجز البلاغة تأكيد الشيء بما يشبه ضده توسعة في التسمية؛ لئلا يختص بالنقيض ثم أرى أنه يتعين في مثل هذا الاستثناء أنه إن وقع في مقام تعتبر في مثله المحسنات فليسم استثناءً ادعائيًّا، كما سمى البلغاء بعض أنواع القصر قصرًا ادعائيًّا، وإن كان عريًّا عن قصد التحسين سمي استثناءً منقطعًا، وللأديب تتبع فروقه، وتعين صوبه من شيم بروقه.