كقوله في حديث البخاري عن أبي هريرة:«تكفل الله لمن جاهد في سبيله لا يُخرجه إلا الجهاد في سبيله وتصديق كلماته، بأن يدخله الجنة أو يرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه مع ما نال من أجر وغنيمة»، فهذه الرواية ليس فيها حكاية عن قول الله تعالى فلا تعد حديثًا قدسيًا، ووقع في رواية النسائي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يحكيه عن ربه عز وجل قال:«أيما عبدٍ من عبادي خرج مجاهدً في سبيل الله ابتغاء مرضاتي ضمنت له أن أرجعه بما أصاب من أجرٍ أو غنيمة». الحديث، ففي هذه الرواية يكون حديثًا قدسيًا.
وخرج بقولنا:«موحى به إلى رسوله» ما يحكى من أقوال تصدر من الله تعالى خطابًا لغير محمد - صلى الله عليه وسلم - كقوله في الحديث:«بينما أيوب يغتسل عريانًا خرَّ عليه جراد من ذهب فجعل يحثي في ثوبه فناداه ربه: يا أيوب، ألم أكن أغنيتك عما ترى؟ قال: بلى يا رب» الحديث.
وقولنا:«موحى به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -» يشمل أنواع الوحي سواء كان بواسطة جبريل أو بالمنام أو بالإلهام كما يؤخذ من عبارة الجويني والطيبي، وأما الذي يؤخذ من كلام السيد الجرجاني وعلي القاري وكلام أبي البقاء في الكليات عند الكلام على القرآن، فهو أن الحديث القدسي لا يوحى به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بواسطة جبريل، بل بالإلهام أو المنام.
وبقولنا:«غير مقصود بها الإعجاز ولا التعبد بتلاوتها» خرج القرآن.
وقولنا:«ليبلغها إلى الناس» أي أن يقترن الإخبار بذلك الكلام بقرينة تدل على أن المقصود إعلام الناس به، وهذه جهة شبه بين الحديث القدسي وبين القرآن، وخرج بذلك ما يحكى من أقوال الله تعالى للملائكة أو في أثناء القصص ونحوها كما في الموطأ:«يتعاقبون فيهم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار» إلى قوله: «فيقول لهم ربهم وهو أعلم بهم كيف تركتم عبادي» الحديث، وكما في حديث ابن عباس في صحيح البخاري في قصة سؤال موسى - عليه السلام - مع الخضر؛ إذ عاتب الله موسى على قوله: إني لا أعلم أحدًا أعلم مني، فقال الله تعالى: بلى عبدنا الخضر بمجمع البحرين، فسأل موسى السبيل إلى لُقياه.
وقولنا:«مع تفويض التصرف في ألفاظها» أي: التفويض إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -