القسم الأول فإنها شفاعة لنجاة خاصة من آلام الموقف وبخلاف الخامس؛ إذ إطلاق الشفاعة عليه مجاز كما علمته.
والتحقيق عندي في شأن هذه الشفاعات أن ما ورد من الآثار مما ظاهره إثبات شفاعة النبيين وصالحي المؤمنين والملائكة أنها شفاعة مجازية؛ لأنها إما دعاء؛ كقول النبيين على الصراط: اللهم سلم سلم، كما في حديث أبي هريرة وأبي سعيد الخدري في الصحيحين، وإما شهادة وتعريض بالتشفيع؛ كقول المؤمنين الناجين في شأن المؤمنين الذين أدخلوا النار: ربنا كانوا يصومون معنا ويصلون ويحجون، فيقول الله لهم:«أخرجوا من عرفتم»، فهذا إذن من الله لهم بعد شهادتهم كما اقتضاه حديث أبي سعيد الخدري في صحيح مسلم، وإما تلقي إذن من الله تعالى، كما ورد أن الله يأمر الملائكة بإخراج من لا يشرك بالله شيئًا، كما في حديث أبي هريرة وأبي سعيد في الصحيحين، وعليه فما وقع في بعض روايات حديث أبي سعيد في صحيح مسلم، فيقول الله تعالى:«شفعت الملائكة وشفع النبيون» هو من باب المجاز، أي: وسطت الملائكة واستجيب دعاء النبيين بالسلامة وقبلت شهادة المؤمنين لأقوامهم بالإيمان والأعمال الصالحة، وعليه فحمل حديث الموطأ والصحيحين المصرح بأنه أعطي الشفاعة ولم يعطها أحد قبله أن يكون على ظاهره، ويدل لذلك أن حديث الصحيحين المروي عن أنس وأبي هريرة وحذيفة صريح في أن القسم الرابع من الشفاعات من خصائص النبي - صلى الله عليه وسلم - لتفصى أفضل بقية الرسل منها.
وقد أنكر بعض أقسام الشفاعة طوائف من المبتدعة في الدين وأول من أنكر الشفاعة الخوارج في عصر الصحابة، ففي صحيح مسلم عن يزيد الفقير قال: كنت قد شغفني رأي من رأي الخوارج فخرجنا في عصابة ذوي عدد نريد أن نحج، ثم نخرج على الناس، فممرنا على المدينة، فإذا جابر بن عبد الله جالس إلى سارية يحدث الناس عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا هو قد ذكر الجهنميين (أي: أهل المعاصي الذين يخرجون من النار فيسميهم أهل الجنة الجهنميين) كما ورد في حديث عمران ابن حصين وانس بن مالك قال يزيد: فقلت له: يا صاحب رسول الله، ما هذا الذي تحدثون، والله يقول:{رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ}[آل عمران: ١٩٢]، ويقول: {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ