أُعِيدُوا فِيهَا} [السجدة: ٢٠]، فقال: أتقرأ القرآن؟ قلت: نعم، قال: فهل سمعت بمقام محمد يعني قوله تعالى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (٧٩)} [الإسراء: ٧٩]، قلت: نعم، قال: فإن مقام محمد المحمود الذي يخرج به من يخرج، ثم نعت وضع الصراط ومر الناس عليه، وإن إنكار الشفاعة مبني على أصلهم فإنهم يقولون بأن مرتكب الكبيرة مستوجب الخلود في النار إلا أن يتوب، فإن كان قد تاب فالشفاعة عبث؛ لأنها تحصيل حاصل وإن كان لم يتب فالشفاعة محال؛ لأنها لا تفيد المشفوع فيه شيئًا لوجوب خلوده في النار، وأدلتهم في ذلك ظواهر من القرآن تقتضي خلود مرتكب الكبيرة والإيمان إلى أنه كافر، وتلك الأدلة عندهم أقامت لهم أصلاً قاطعًا من أصول الاعتقاد في نظرهم واستدلوا على بطلان الشفاعة بالخصوص بقوله تعالى:{وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا}[البقرة: ٤٨]، وقوله {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ}[البقرة: ٢٥٤]؛ فلذلك تأولوا الآيات التي تقضي وجود الشفاعة لمنافاتها للأصل القاطع، وقد كان حديث جابر هذا من أعظم الحجج على بطلان مقالة الخوارج، ولذلك لما حدث به عصابة يزيد الفقير التي عزمت على الخروج على الناس تبعًا للخوارج علمت تلك العصابة صدق ذلك الصحابي الشيخ، قال يزيد الفقير: فرجعنا فوالله ما خرج منا غير رجل واحد.
ووافقهم المعتزلة على ذلك مع اختلاف الدليل، وذلك أن المعتزلة يقولون بخلود مرتكب الكبيرة في النار إن لم يتب، ولا يجوزون المغفرة له؛ لأن الإحسان للمسيء والإساءة للمحسن قبيح يستحيل صدوره من الله تعالى، وتأولوا ما ورد في الشفاعة بأنها شفاعة لرفع الدرجات في الجنة.
ومذهبنا معاشر أهل السنة أن الشفاعة ثابتة وسبيلنا في ذلك أنها جائزة عقلاً، وأن الصفح عن بعض عقاب المذنب ليس بقبيح وأدلتنا السمعية واضحة من الكتاب والسنة، ومحمل آيات نفي الشفاعة على الكفار بقرينة قوله:{مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ}[غافر: ١٨]؛ لأن اصطلاح القرآن في الظلم أنه الشرك، قال تعالى:{إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}[لقمان: ١٣]، {وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (٢٩)} [الأنبياء: ٢٩] ونظائر ذلك كثيرة.
واعلم أن الشفاعة التي ينكرها هؤلاء هي الأقسام الثاني والثالث والرابع