للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الشيء ذنبًا يقتضي ترتب مفسدة دينية على فعله، ولا نجد في عدم إجابة العالم من يسأله مفسدة في كثير من الأحوال، فذلك هو الداعي لهم إلى تأويل هذا الحديث، أي: حمله على غير ظاهره جمعًا بين الأدلة مما ورد عن الشارع وما استقرئ من قواعد الشريعة.

قال أبو بكر بن العربي في «عاصمة الأحوذي» هو محمول على خمسة أوجه:

الأول: أن يعدم ذلك العلم إن لم يظهره، أي المسؤول، وذلك بأن يكون منفردًا بعلمه بين أهل تلك الجهة بحيث يتعذر أن يجيب عنه غيره إلا في أقطار بعيدة.

الثاني: أن يقع السائل في أحموقة إن لم يخبره.

الثالث: أن تفوت به منفعة أي مصلحة دينية.

وهذه الوجوه الثلاثة في معنى الشروط لحرمة الكتمان، وكلها مبنية على أن المراد بالعلم ظاهره معنى وعمومًا، فإطلاق اسم المحامل عليها في كلام أبي بكر بن العربي تسامح.

الرابع: امتثال وصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي سعيد الخدري في قوله: «إن الناس لكم تبع وإن رجالاً يأتونكم يتفقهون أو يتعلمون فإذا جاؤوكم فاستوصوا بهم خيرًا»، وذلك هو التعليم، يعني: تعليم الذين جاؤوا لقصد التصدي للتعلم والتفقه في الدين؛ لأنهم إنما جاؤوا ممتثلين أمر الله تعالى في قوله: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ} [التوبة: ١٢٢].

وحيث كان قوله: {طَائِفَةٍ}، يدل على أن طلب العلم في الدين فرض كفاية، فكذلك تعليم طالبه هو فرض كفاية، وهذا الوجه محمل للحديث مخالف للمحمل الأول مبني على أن المراد بالسؤال بعض معانيه، وهو طلب التعلم، وذلك يقتضي وجوب التعليم دون وجوب جواب السائل، ولهم في أحكام التعليم تفصيل مذكور في تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى} [البقرة: ١٥٩] الآية.

الخامس: أنه الشهادة وهذا محمل مخالف للمحملين السابقين فيكون المراد بالعلم هنا خصوص العلم بما بين الناس من الحقوق، وقد نسب ابن العربي في «الأحكام» والقرطبي في «التفسير» هذا التفسير لسحنون ويجري حينئذ على

<<  <   >  >>