للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حَدِيثِ عَلِيٍّ, وَجَرِيرٍ, وَبُرَيْدَةَ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُمْ, فَذَلِكَ لِغَيْرِ الخطبة وَلِغَيْرِ مَا هُوَ حَلَالٌ فَذَلِكَ مَكْرُوهٌ مُحَرَّمٌ (١).

وَقَدْ رَأينَاهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي نَظَرِ الرَّجُلِ إلى صَدْرِ المرأة الأمة, إذا أراد أن يَبْتَاعَهَا أن ذَلِكَ لَهُ جَائِزٌ حَلَالٌ, لأنهُ أنمَا يَنْظُرُ إلى ذَلِكَ مِنْهَا لِيَبْتَاعَهَا لَا لِغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَوْ نَظَرَ إلى ذَلِكَ مِنْهَا, لَا لِيَبْتَاعَهَا, وَلَكِنْ لِغَيْرِ ذَلِكَ, كان ذَلِكَ عَلَيْهِ حراما.

فَكَذَلِكَ نَظَرُهُ إلى وَجْهِ المرأة إن كان فَعَلَ ذَلِكَ لِمَعْنًى هُوَ حَلَالٌ, فَذَلِكَ غَيْرُ مَكْرُوهٍ لَهُ، وإن كان فَعَلَهُ لِمَعْنًى هُوَ عَلَيْهِ حرام, فَذَلِكَ مَكْرُوهٌ لَهُ، وَإذا ثَبَتَ أن النَّظَرَ إلى وَجْهِ المرأة لِيَخْطُبَهَا حَلَالٌ, خَرَجَ بِذَلِكَ حُكْمُهُ مِنْ حُكْمِ الْعَوْرَةِ، وَلأنا رَأينَا مَا هُوَ عَوْرَةٌ لَا يُبَاحُ لِمَنْ أراد نِكَاحَهَا النَّظَرُ إليها (٢). ألا ترى أن مَنْ أراد نِكَاحَ امرأة, فَحرام عَلَيْهِ النَّظَرُ إلى شَعْرِهَا, وَإلى صَدْرِهَا, وَإلى مَا هُوَ أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ فِي بَدَنِهَا, كَمَا يَحْرُمُ ذَلِكَ مِنْهَا, عَلَى مَنْ لَمْ يُرِدْ نِكَاحَهَا. فَلَمَّا ثَبَتَ أن النَّظَرَ إلى وَجْهِهَا حَلَالٌ لِمَنْ أراد نِكَاحَهَا, ثَبَتَ أنهُ حَلَالٌ أيضا لِمَنْ لَمْ يُرِدْ نِكَاحَهَا (٣) , إذا كان لَا يَقْصِدُ بِنَظَرِهِ ذَلِكَ لِمَعْنًى هُوَ عَلَيْهِ حرام.


(١) لاحظ قوله: (لَوْ نَظَرَ إلى وَجْهِ امرأة) (فَأما المنهي عَنْهُ ... فَذَلِكَ لِغَيْرِ الخطبة, وَلِغَيْرِ مَا هُوَ حَلَالٌ, فَذَلِكَ مَكْرُوهٌ مُحَرَّمٌ)، والحلال سبق وأن مثل له بقوله: (لِيَشْهَدَ عَلَيْهَا وَلِيَشْهَدَ لَهَا أن ذَلِكَ جَائِزٌ).
(٢) وهذا هو مذهب ومنهج القائلين بعدم اعتبار الوجه والكفين من العورة للضرورة في كشفهما والتي أباحتها الشريعة ولهذا رجحوا عدم العورة، ومع ذلك لم يمنعهم ذلك من القول بتحريم كشفهما بدون سبب مبيح.
(٣) يقصد مثل الشاهد والقاضي والمتبايعين معها ونحوهم ممن كان له سبب مبيح لنظره إليها.

<<  <   >  >>