للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

زِينَةِ الْوَجْهِ وَالْكَفِّ فَقَدْ اقْتَضَى ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ إباحة النَّظَرِ إلى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ (١). وَيَدُلُّ عَلَى أن الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ مِنْ المرأة لَيْسَا بِعَوْرَةٍ أيضا أنهَا تُصَلِّي مَكْشُوفَةَ الْوَجْهِ وَاليدَيْنِ، فَلَوْ كانا عَوْرَةً (٢)، لَكان عَلَيْهَا سَتْرُهُمَا كَمَا عَلَيْهَا سَتْرُ مَا هُوَ عَوْرَةٌ (٣)؛ وَإذا كان كَذَلِكَ جَازَ لِلْأجنبي أن يَنْظُرَ مِنْ المرأة إلى وَجْهِهَا وَيَدَيْهَا بِغَيْرِ شَهْوَةٍ، فإن كان يَشْتَهِيهَا إذا نَظَرَ إليها جَازَ أن يَنْظُرَ لِعُذْرٍ مِثْلَ أن يُرِيدَ تَزْوِيجَهَا أو الشَّهَادَةَ عَلَيْهَا أو حَاكِمٌ يُرِيدُ أن يَسْمَعَ إقْرَارَهَا.

وَيَدُلُّ عَلَى أنهُ لَا يَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ إلى الْوَجْهِ لِشَهْوَةٍ قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم - لِعَلِيٍّ: «لا تُتْبِعْ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ فإن لَك الأولى وَلَيْسَ لَك الآخرة» وَسَأَلَ جَرِيرٌ رَسُولَ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ نَظْرَةِ الْفُجَاءَةِ فَقَالَ: «اصْرِفْ بَصَرَك» وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْوَجْهِ وَغَيْرِهِ، فَدَلَّ عَلَى أنهُ أراد النَّظْرَةَ بِشَهْوَةٍ؛ وإنما قَالَ: «لَك الأولى»؛ لأنهَا ضَرُورَةٌ «وَلَيْسَ لَك الآخرة»؛ لأنهَا اختيار. وإنما أباحوا النَّظَرَ إلى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ وَإن خَافَ أن يَشْتَهِيَ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الأعذار لِلاثار الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ، مِنْهَا: مَا رَوَى أبو هُرَيْرَةَ «أن رَجُلا أراد أن يَتَزَوَّجَ امرأة مِنْ الأنصار، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: انظر إليها فإن فِي أعين الأنصار شَيْئًا يَعْنِي الصِّغَرَ».


(١) وهذا ما ذكرناه سابقا (صـ ١٢٤) عند بيان تفسير الصحابة أنه في حالة جاز نظر الأجنبي للوجه والكفين، فمن باب أولي جاز ما فيهما من زينة في ذلك الوقت كالكحل والخضاب لأنه يشق نزع الزينة المكتسبة عن زينتها الخلقية.
(٢) أي خارج الصلاة، ولهذا كان أحد الأسباب في أنهم لم يعدونهما من العورة. لأنهم يقولون كيف يكون عورة وتكشفه في صلاتها ولا تبطل بكشفه.
(٣) أي في الصلاة.

<<  <   >  >>